على غير العادة أذاع التليفزيون المصري ، ثاني أيام العيد ، نبأ اهتمام الرئيس مبارك ، بالتحقيقات حول الاهمال في مستشفيات التأمين الصحي و المستشفيات العامة ! و الحال أن التحقيقات كانت تجري بشأن واقعتين ، الأولى التي نشرتها صحف بشأن اقدام مريض على الانتحار داخل مستشفي التأمين الصحي بشبرا الخيمة، بعد ان فشل في استدعاء طبيب لعلاجه و الثانية حول واقعة إهمال في مستشفى الإسماعيلية العام . كان لافتا و غريبا حقا أن يذيع التليفزيون المصري مثل هذا الخبر ، إذ لم يعتاد المصريون أن يسمعوا المتحدث الرسمي باسم الرئاسة ينقل اهتمام الرئيس بما تنشره الصحف ، اللهم إلا اتصاله التليفوني بالزميل وائل الابراشي ، بعد حلقته الشهيرة عن ظاهرة "اختفاء المسيحيات" !. ثم إن الصحف المصرية منذ 30 عاما و هي تنشر وقائع فساد تقشعر منها الابدان فيما كان رد الفعل الرسمي : إما لاحس و لاخبر .. و إما تحريك دعاوى قضائية ضد الصحفيين لتأديبهم و قطع السنتهم و قصف اقلامهم ! إذن .. ما الحكاية و ما هو السر هذه المرة ؟! .. كان هذا هو السؤال الذي شغلني و ربما شغل كثيرين مثلي . و لعل المتابع يلحظ ان الرئيس مبارك تابع باهتمام أكبر التحقيقات في واقعة الإهمال بمستشفى الاسماعيلية العام .. على وجه التحديد ! ثم إن استخدام كلمة "التحقيقات" هي التي كانت جديدة في الموضوع . إذ لم يكن ثمة تحقيقات و لا يحزنون .. فالحكاية كلها أن محافظ الاسماعيلية الجديد ، قام بجولة تفقدية لأحوال المستشفى بغتة و متخفيا في صورة فلاح بسيط .. و ضبط المستشفى في وضع مخل بأبسط حقوق المرضى .. و تم استدعاء مديرها د. محمد نجيب و جرى ابلاغه بقرار اقالته ، دون تحقيقات أو استجوابات .. غير ان الفضيحة جرت على الالسنة و تناقلها أهالي الاسماعيلية ، خاصة و أن الامر لم يكن اهمالا فقط في الاشراف الطبي على المرضى ، و انما في تردي حال المستشفى من حيث الابنية و التجهيزات .. و هذا هو سر اهتمام الرئيس مبارك بالامر . إذ ما كشفه المحافظ أحرج الكثير من القيادات التنفيذية و الأمنية في الاسماعيلية من جهة وفي وزارة الصحة بالقاهرة من جهة اخرى .. غير أنه في الواقع و في الحقيقة فإن المحافظ و بدون قصد منه قد وضع الرئيس مبارك في حرج بالغ أيضا !. إذ من المعروف أن الرئيس افتتح هذا المستشفى و لأول مرة منذ شهور قليلة ، عشية اجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، في اطار حملته الدعائية ، و لقد نقلت وسائل الاعلام وقائع احتفالية الافتتاح من داخل المستشفى حيث أظهرتها الصور و كأنها "تحفة جمالية" .. ! هذا ما شاهده الرئيس و افتتحه بنفسه و شاهده المصريون معه على شاشات التليفزيون .. غير ان المحافظ الجديد شاهد و زار و تفقد مستشفى اخر غير الذي افتتحه الرئيس مبارك .. ! إذ بدا المكان مثل "الزريبة" التي لا تليق بالبني أدمين ! و هذا ما اثار غضب المحافظ و سمعه الحاضرون و هو يوبخ الجميع و على رأسهم مدير عام المستشفى بكلام قاس و جارح ! ما جعل الناس تتساءل ما المبنى الذي افتتحه الرئيس بالضبط ؟! لقد خدع المسئولون بالتأكيد الرئيس مبارك ، و على رأسهم وزير الصحة السابق و محافظ الاسماعيلية السابق و كل القيادات التنفيذية و الأمنية بمحافظة الاسماعيلية .. إذ إن كل هؤلاء شاركوا في هذه "الخديعة" .. وعرضوا على الرئيس مكانا اخر أكثر اناقة و جمالا من قبيل تحسين الصورة فيما كان المستشفى الاصلي المفترض افتتاحه لا يسر عدوا و لاحبيبا !. و الحال أن المحافظ السابق و كل معاونيه من اجهزة و قيادات ، تعمدوا أن يعرضوا على الرئيس ما يسمى ب"الجناح الاقتصادي" ، في المستشفى ، و هو يشبه فندقا من نوع "فايف ستارز" لا يعالج فيه إلا الاغنية و رجال الاعمال و الشخصيات العامة و المهمة .. عرضوا هذا الجناح على الرئيس باعتباره هو المستشفى .. فيما توارت المستشفى الحقيقية خلف الزينات الكثيرة التي غطت "قبح" المكان الاصلي و خدعت الزائر الكبير ! فلماذا إذن يعاقب مدير المستشفى ووكيل وزارة الصحة بالاسماعيلية وحدهما فقط ؟! و لماذا لم يأمر الرئيس باستدعاء كل من شاركوا في هذه "المهزلة" و احالتهم إلى التحقيق و هم كثير و جميعهم يتمتعون بمناصب تنفيذية أوسيادية رفيعة ؟! و الحال أن ما حدث في الاسماعيلية .. يحدث كل يوم و في كل محافظات مصر بلا استثناء .. و جميع المسئولين المحليين يشاركون في هذه "الجريمة" التي يدفع ثمنها الغلابة و الفقراء و من لا ظهر لهم و لا بطن .. نتمنى أن تستفيد القيادة السياسية من "درس الاسماعيلية" .. و لاتستخدمه فقط في "الدعاية التليفزيونية" .. ثم يطوى في اضابير الحكومة .. استعدادا و استئنافا ل"خدعة" أخرى. [email protected]