كان "نيلسون مانديلا" معروفا بأفريقيته ومقاوماته التحررية التأريخية والتي ساهمت في شهرته وانتشار اسمه في الآفاق, لكن "بيكو" قلما يعرف بمساهماته لمقاومة النظام الظالم للجنوبيين الأفارقة أصحاب البلد, بل إن خروج "مانديلا" وانتصاراته على نظام الفصل العنصري يعتبر امتدادا لجهود وتضحية "ستيف بيكو" بحياته عندما كان مانديلا سجينا. وقد صدق مانديلا في حديثه عن بيكو: "كان عليهم – أي حكام الفصل العنصري- أن يقتلوه لإطالة عمر الأبارتيد". لقد لخّص "بيكو" حياته ومسيرته في مقولته الشهيرة: "أقوى سلاح في يد القاهرين هو عقل (وعي) المقهورين"؛ فهو رمز ومناضل بارز ضد حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، وبحسب شهادة جل الأكاديميين؛ إنه الضحية الأكثر شهرة في جميع أفريقيا, حتى وإن لم يكن عضوا في أقدم حركة التحرر الجنوب الأفريقية الشهيرة ب "المؤتمر الوطني الأفريقي" (ANC ). ولد "ستيفن بانتو بيكو" في تيلدين (Tylden)، بمنطقة الكيب الشرقية، في 18 ديسمبر عام 1946، وكان موهوبا أكاديميا, لكنه ضد تلك السياسات التي تهدف إلى إعاقة تعليم السود, ومن هنا بدأت تساؤلاته حول نظام الفصل العنصري والظروف السيئة التي يمر عليها بنو بشرته والتي أجبروا على تحملها. وبسبب تمرده ، تم استجوابه من قبل الشرطة و طرد من المدرسة، مما أتاح له ما وصفه هو ب" الاستياء الشديد تجاه سلطة البيض". وهكذا انخرط "بيكو" في السلك النضالي اليومي لمكافحة الأحوال التي تواجه السود، الأمر الذي جعله يقدّم استقالته لاحقا من كلية الطب. وعندما كان في الجامعة, أسس بيكو منظمة طلاب جنوب أفريقيا، والتي تهدف إلى ضرورة قيام السود في جنوب إفريقيا بتحرير أنفسهم نفسيا والاعتماد على أنفسهم ذاتيا, من أجل تغيير جذري لجنوب أفريقيا. وكان تأسيس المنظمة في عام 1969 بمثابة الإيذان ببدء "حركة الوعي السود" (BCM ), وهي الحركة التي أعادت تنشيط وإشعال مقاومة الفصل العنصري في السبعينات, وولد بسببها عدد من منظمات التنمية السياسية و المجتمعية الأخرى. كان منطلق وتركيز حركته "الوعي السود" هو توعية الناس وجعلهم مسؤولين عن تحرير أنفسهم. حيث قال: "فإن الخطوة الأولى بالتالي هي لجعل الرجل الأسود واعيا لنفسه، لإعادة ضخ الحياة في قوقعته الفارغة، لسكبه بالعزة والكرامة، لتذكيره بتواطئه في جريمة السماح لنفسه أن يساء استخدامها وبالتالي السماح لارتفاع نفوذ الشر في البلد الذي ولد فيه ... وهذا هو تعريف الوعي السود " . وعن حياته الشخصية، التقى بيكو ب "انتسيكي ماشالابا" (Nontsikelelo " Ntsiki " Mashalaba) ، وتزوجا في ديسمبر عام 1970 في مدينة الملك وليام في محكمة القضاة. وعقدوا الاحتفال في منزل والدته. وكانت ولادة ابنهما الأول انكوسينثي (Nkosinathi) في عام 1971. في عام 1973 ، بسبب أنشطته السياسية, حظرت الحكومة "بيكو" باستثناء منطقة منزله "مدينة الملك وليام" في الكيب الشرقية, وقيدوا حريته من التحدث إلى أكثر من شخص واحد في محاولة لقمع الحركة السياسية الصاعدة. وعلى الرغم من هذا القيد، واصل نشاطه السياسي كشخصية رئيسية في "حركة الوعي السود", كما أنه شارك وساعد في تنفيذ عدة مشاريع المجتمع أثناء الفترة.
اعتقاله ووفاته: في يوم 18 أغسطس 1977 ، اختطف "بيكو" من قبل الشرطة, و احتجز بموجب المادة 6 من قانون مكافحة الإرهاب, القانون الذي أفقد العديد من السود حريتهم في جنوب أفريقيا منذ عام 1950. ومكث "بيكو" في السجن أربع و عشرين يوما باستجوب وتجويع وضرب مبرح, مما أفقده وعيه وأدى إلى أن يقترح الأطباء نقلها إلى "بريتوريا" (740 ميلا من مكان الاحتجاز) ليتلقي العلاج. وفي 12 سبتمبر عام 1977، أصبح بيكو الشخص الواحد والأربعين في جنوب أفريقيا المتوفى أثناء الاحتجاز في معتقل الشرطة. لقد أعلنت حكومة جنوب أفريقيا براءتها من وفاة ستيف بيكو, مصرّة إلى أنها ناجمة عن إضرابه عن الطعام. ونُقل من وزير الشرطة حينها "جيمي كروغر" ، قوله: " أنا لست سعيدا ولا أنا آسف. فموت بيكو يشعرني بالبرد". وقد أفاد تشريح جثة "بيكو" الرسمي أن وفاته كان بسبب جرح في الدماغ نتيجة "استخدام القوة في الرأس". غير أن محكمة في جنوب أفريقيا برّأت الضباط المسؤولين عن وفاة "بيكو" أثناء احتجازه من أي ذنب أو لوم. كان لموت بيكو المأساوي تأثير عظيم على شعب جنوب أفريقيا والعالم أجمع. وقدّر عدد حاضري جنازته بأكثر من 15,000 مشيع، باستثناء الآلاف الذين أبعدتهم الشرطة.. إن الإرث الذي تركه "ستيف بيكو" ونضاله الذي أفنى حياته من أجله ساهم في تسريع عملية التحرير والاستقلال والحريات التي يعشيها شعب جنوب أفريقيا اليوم.
أوجه التشابه والعلاقة بين بيكو و مانديلا: لقد وجهت انتقادات لحكومة "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" لتبنيها الكثير من الفضل في تاريخ النضال في جنوب أفريقيا واهمال شخصيات مهمة شاركوا فيها وبعضهم دفعوا الثمن الغالي بحياتهم, مثل ستيف بيكو. وهذه الانتقادات أجبرت الحكومة في عام 2012 لإنشاء "مركز تراث ستيف بيكو" في منطقة الملك ويليامز. ومن الغريب مثلا, أن نتصفح كتاب نيلسون عن مسيرته نحو الحرية ولم نجد أي ذكر عن ستيف بيكو ولو مرّة واحدة, مما يثير تساؤلات عن أفكار ووجهات نظر كل منهما. غير أن الحقيقة أنه لا يوجد أي تعارض بين الرجلين, وعدم ذكر مانديلا لبيكو في كتابه يعود إلى أن بيكو كان في 15 من عمره عندما ألقي القبض على مانديلا وسجن في جزيرة روبن. كما أن بيكو قتل في عام 1977، بمعنى أنه لم يطلق سراح مانديلا إلا بعد 12 سنة من وفاته. فكلّ من نيلسون مانديلا و بيكو لم يعرفا بعضهما بعضا, حتى وإن كان مانديلا يتحدث عن إعجابه ب"بيكو" على مر السنين، إضافة إلى أن ستيف بيكو كان رمزا رئيسيا في حملة "نيلسون مانديلا" الانتخابات للرئاسة بعد خروجه من السجن. هذا, ومن أوجه التشابه بين الرجلين, أن كلا منهما يسعى إلى إنهاء نظام الفصل العنصري وتحقيق العدالة المدنية والمساواة القانونية للمواطنين السود في جنوب أفريقيا. كما أن كلاهما يرىان أن الثورة الاجتماعية التي يقودانها بإمكانهما تحقيقها دون اللجوء إلى العنف, لكنهما كانا على استعداد للقتال إذا تطلب الأمر ذلك. غير أن مانديلا ينتمي إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وهذا الحزب له طائفة مسلحة, ولكنه يؤمن بأن ممارسة ضغط شعبي غفير قد يؤثر على حكومة جنوب أفريقيا, وسيجبرها على إطلاق سراح مانديلا من السجن، وبخروجه هذا ستتحقق مطالب بقية الثورة. أما ستيف بيكو, فهو يرى أن كل ما هو مطلوب هو رفع الوعي بالهوية الأفريقية وثقافة السود، لمنحهم الاعتزاز والشعور بالمساواة داخل أنفسهم. كما يؤمن بأنه متى ما يتم تعليم السود قيمتهم كبشر فلن يتسامحوا مع الذين يحكمونهم ويظلمونهم, وسيؤدي لا محالة إلى ثورة واسعة النطاق لا يمكن إيقافها. وصدق بيكو عندما قال: "إن السود سئموا من الوقوف على خطوط الالتماس لمشاهدة مباراة ينبغي عليهم لعبها. إنهم يريدون أن يفعلوا الأشياء لأنفسهم وكلها بأنفسهم. " (رسالة إلى رؤساء مجلس النواب الطلاب، من كتابه "أكتب ما أحب" ، 1978)