الخبير الاقتصادى وأستاذ العلوم السياسية فى حوار مع "المصريون" نمط أولويات النظام "منحرف" ولا يعكس أى رؤية أو جدية لبناء الاقتصاد الوطنى المؤتمر الاقتصادى مجرد "زفة" ترويج للسيسى وتوثيق مشروعيته كرئيس رجال الأعمال "الإخوان" شاركوا مبارك كثيرا ويتعاملون مع الاقتصاد مثل "اليهود" تحالف المؤسستين العسكرية والأمنية مع رجال الأعمال يمنع تنمية الاقتصاد الدولة تفضل منح أراضيها للمستثمرين لا للشباب.. والإمارات تزرع "البرسيم" لبهائمها مجانا على أراضينا! "تلاعب" السيسى بمشاعر المصريين "بضاعة" ستبور قريبا "البورصجية" يحكمون اقتصاد البلد ويبيعون الوهم والكلام 850 ألف مستورد مسجل يضغطون على النظام ويشكلون سياساته الاقتصادية لدينا 9 ملايين عاطل وليس 2 مليون كما يعلن المسئولون "الغربان" تقف على ماكينات قرابة 194 شركة من القطاع العام.. ولا بد من إعادة هيكلة قطاعات الإنتاج قطاعا الثروة المعدنية والبترول "نهيبة" ويجب إعادة هيكلتهما البرلمان الحالى صنيعة الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال ولا أمل فيه
أكد الخبير الاقتصادى الدكتور عبد الخالق فاروق، أن مصر تعانى من مشكلات هيكلية عميقة تدفع بالاقتصاد وبالبلد كله إلى "حافة السكين"، موضحا أن النظام الحالى تحكمه مدرسة "البورصجية" التى تبيع الوهم والكلام وتعمل فقط لصالح فئة رجال المال والأعمال وتمنع أى تنمية اقتصادية حقيقية. كما عبر الخبير الاقتصادى فى حواره مع "المصريون" عن قلقه من استمرار سياسات نظام مبارك الاقتصادية فى الاقتراض من البنوك الدولية وتلقى المساعدات المالية من دول الخليج، محذرا من وصول الدين الخارجى لمصر فى نهاية عهد الرئيس السيسى إلى 80 مليار دولار، كذلك عن عدم توقعه لأى تشريعات إصلاحية قد يتقدم بها البرلمان الحالى فى سبيل إعادة بناء الاقتصاد المصرى وتنميته. كيف ترى وضع الاقتصاد المصرى الآن بشكل عام؟ تعانى مصر من مشكلات هيكلية عميقة، وحين يتحدث المسئولون عن أعراض ومظاهر لهذه المشكلات فهى فى الحقيقة أعراض لأمراض أكثر عمقا، فحين نتحدث عن عجز الموازنة العامة للدولة أو عجز فى الاحتياطى النقدى أو فى الميزان التجاري، فكل هذه أعراض لمرض أكثر عمقا، والتشخيص الدقيق للمشكلة هو الذى يمكننا من وضع الحلول وسياسات العلاج، وسياسات العلاج فى مصر محكومة بمدرستين اقتصاديتين، أولهما مدرسة "البورصجية" وسوق الأوراق المالية وهم فى الحقيقة المسيطرون والمتحكمون فى البلاد منذ أكثر من 40 عامًا، وبالتحديد منذ أواخر عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، وهم المهتمون بظواهر المشكلات وليس جوهرها، أما المدرسة الثانية فهى مدرسة "التنمية" التى تهتم بفكرة التنمية الاقتصادية والتخطيط والتوازن بين الفئات المختلفة وعدم تحيز الدولة بقوانينها وتشريعاتها وسياساتها المالية لرجال الأعمال وفئة بعينها وتترك باقية الفئات الاجتماعية للتخبط والفقر، ولكل مدرسة من هاتين المدرستين تحيزاتها الاجتماعية، فأفراد مدرسة "البورصجية" كلهم "خدم" لرجال الأعمال بلا استثناء ويعتمدون فيها على "شماعة" يسمونها "جذب الاستثمار والمستثمرين"، وهذا لن نجد له نموذجا واحدا فى أى بلد حقق تنمية اقتصادية ولا حتى فى بلاد النمور الآسيوية التى لعبت فيها الدولة دورًا مهمًا جدا فى التخطيط والاعتماد على الموارد الطبيعية للبلاد حتى أضحت سوقا واعدة نضرب بها المثل الآن. وما الذى يعوق مدرسة التنمية الاقتصادية من تحقيق أهدافها وتحيزاتها بالتحديد؟ التحالف الاجتماعى بين جنرالات الجيش منذ عام 1975، وقبل هذا التاريخ كان جنرالات الجيش يحكمون وحدهم مع البيروقراطية المصرية فى عهد عبد الناصر، وبعد وفاة عبد الناصر حوّل السادات البوصلة تجاه أمريكا وأعلن بدء عصر الانفتاح الاقتصادي، فنشأ التحالف بين جنرالات المؤسستين العسكرية والأمنية من ناحية وطبقة رجال الأعمال الجديدة التى نشأت من أموال المعونة الأمريكية والاقتراض من البنوك والتوكيلات التجارية لكبريات الشركات العالمية، وكذلك سواقط أساتذة الجامعات والأكاديميين الذين يستخدمون فقط كغطاء لهذا التحالف الاجتماعى غير المتحيز للتنمية الاقتصادية، والذى اتجه بالبلاد لناحية اقتصاد السوق وآليات العرض والطلب، وهذا ما انتهى بالبلاد إلى تراكم ثروات ضخم جدا لدى فئة محدودة لا تزيد عن 5% من المجتمع وتحديدا لألفى رجل أعمال وأسرهم ولكنها تسيطر بشكل كبير جدا على السياسات الاقتصادية للحفاظ على مصالحها أولا، وهو ما يساهم أيضا بشكل كبير فى عرقلة التنمية الاقتصادية. هناك أيضا تحالفات مشابهة وتراكم للثروات فى دول مختلفة تقدمت ولم تتأثر إلى هذا الحد وتحققت فيها التنمية الاقتصادية.. كيف اختلف الأمر فى مصر؟ هناك نموذجان لتراكم الثروات، أولهما التراكم الرأسمالى الذى نجده فى بريطانيا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وغيرها من الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى، والآن فى الصين وروسا ودول النمور الأسيوية واليابان، فما حققوه هناك من ثروات عادوا وأضافوه إلى أصول الإنتاج، فنتج عن هذا توسع واستثمار حقيقى فى مجالات الزراعة والصناعة وقطاعات الخدمات والتكنولوجيا والتجارة وغيرها، أما فى مصر وكثير من الدول العربية فهو مجرد تراكم مالي، فما تحقق من ثروات جرى تهريب جزء كبير منه إلى الخارج واستغل الباقى فى الاستثمار فى العقارات والأراضى والمضاربة عليهما، وهى طبقة جديدة نشأت ليست من الرأسمالية المصرية، وإنما من التجار والمستوردين بعد عام 1975، فحتى عام 1974 كان الاستيراد مقصورًا على القطاع العام فقط، ولم يكن مسموحًا للقطاع الخاص بالاستيراد، وفى العام 1985 وصلوا إلى 46 ألف مستورد واليوم 850 ألف مستورد مسجل، وبالتالى أصبحت هذه الطبقة من رجال المال والأعمال والوكلاء التجاريين والمستوردين هى الطبقة الضاغطة على الأنظمة والقرار السياسى والاقتصادي، وهم بطبيعة الحال يرتبطون بالاقتصاد الخارجى أكثر من اقتصاد البلاد وليس لهم جذور راسخة فى الداخل. وماذا ترتب على ذلك؟ مشكلات عويصة جدا، فهناك عجز مستمر فى الموازنة العامة للدولة، وكذلك فى الميزان التجارى والذى يرتفع كل عام عما قبله فقد كان فى أوائل التسعينيات لا يزيد عن 8 أو 9 مليارات دولار حتى وصل اليوم إلى 50 مليار دولار، ونظرا لغياب أفق للتنمية الحقيقية والاعتماد على مواردنا الذاتية يضطر النظام إلى طلب المساعدات المالية من دول الخليج أو أمريكا أو الاقتراض من السوق الدولية وتحميل الدولة بفوائد الدين وخدمته، كذلك فقد أدى غياب التنمية الاقتصادية إلى تآكل النشاط الزراعى ودفعنا لاستيراد 70% من الغذاء من الخارج على الرغم من أن مصر فى أوائل السبعينيات كان لديها فائض من اللحوم والألبان والزيوت التى نستوردها الآن بنسب كبيرة جدا، كذلك القمح، فقطاعات الإنتاج تآكلت ونفس الشيء بالنسبة للصناعة، فحين ضرب القطاع العام أصبح هناك نمط للتصنيع عن طريق التجميع مثل مصانع أحمد بهجت وغبور وغيرها، وهو ما يعنى أننا نستورد مستلزمات التشغيل كلها من الخارج، مما يؤدى كذلك إلى تحمل أعباء على الاحتياطى النقدى والجنيه المصري، وكل ذلك بسبب غياب سياسات التنمية الاقتصادية التى أدت إلى تراكم الثروات لدى فئة معينة ودفع بالفئات الأخرى للمحاربة من أجل الحفاظ على مستوى مقبول من المعيشة، وهو ما يترتب عليه مشكلات وأزمات سياسية بالطبع. هل تتولد المشكلات السياسية من الأزمات الاقتصادية أم العكس؟ العلاقة بين الاقتصاد والسياسة معقدة جدا، فالمسائل الخاصة بالسياسة جزء منها له علاقة بالاقتصاد ومشكلاته والآخر له علاقة بطموح المصريين وقطاع واسع منه فى تحقيق حرية أفضل وديمقراطية حقيقية، وإمكانية لتداول سلمى للسلطة وانتخابات نزيهة، وهو جزء من الصراع السياسى الموجود فى المجتمع، ويزيده حدة الأزمة الاقتصادية، التى بدأت منذ فتح المجال أمام القطاع الخاص للهيمنة على الدولة على يد الرئيس السادات، حتى أصبح لدينا أعلى معدل بطالة فى العالم يتراوح بين 22 و24 % من القوى العاملة فى مصر، ما يعنى أنه لدينا قرابة 9 ملايين عاطل وليس 2 مليون كما يعلن المسئولون والتلاعب بما يسمى الفترة المرجعية فى تقدير البطالة. وماذا عن مشاريع استزراع الأراضى التى تتيحها الدولة للشباب ؟ الدولة تفضل أن تنفق الأموال على ترفيق وتجهيز هذه الأراضى وتسليمها لشركات الاستثمار ورجال الأعمال، كما حدث فى مشروع توشكى الذى سلمه مبارك للوليد بن طلال والكعكى وغيره من المشاريع التى سلمت لأثرياء وأمراء الخليج، ويكفى أن نعرف أن أثرياء الإمارات يزرعون لدينا "البرسيم الحجازي" شبه مجانًا ليتم تصديره إلى هناك كغذاء للمواشى و"البهايم". ما تعليقك على تصريح وزير الاستثمار الأخير بشأن ارتفاع العجز فى الاحتياطى النقدى وأنه لن يكفى لثلاثة أشهر مقبلة فقط؟ الوضع خطير بالفعل لأن جزءًا كبيرًا من الاحتياطى النقدى المعلن عنه، ويقدر ب 17 مليار دولار هو عبارة عن ودائع للسعودية والإمارات والكويت وكذلك 900 مليون دولار للصين، والاحتياطى النقدى الذى نملكه الآن فعلا ضئيل جدًا مكون من الغطاء والرصيد الذهبى، أما باقى الاحتياطى الآخر يتبدد ولذلك فنحن فعلا على حافة السكين. هل هناك حلول سريعة فى هذا الشأن يمكن طرحها على الحكومة الحالية؟ بالطبع هناك حلول، ولكنها تتوقف على الإرادة السياسية، فلو كان النظام وعلى رأسه الرئيس عبد الفتاح السيسى جادًا منذ البداية فى إعادة بناء الاقتصاد اعتمادًا على الموارد التى نملكها ما كنا وصلنا إلى هذا الوضع، وكان هناك مخطط طرحناه فعلا فى البرنامج الانتخابى لأحد المرشحين الرئاسيين عام 2013، والذى أعددت فيه الجزء الاقتصادي، وطرحنا فيه بالتفاصيل المملة كيفية تدبير النفقات وطريقة الحصول عليها والفترة الزمنية التى تستغرقها، كذلك كيفية إعادة بناء قطاعات الإنتاج لتقليل حجم وارداتنا من الخارج عن طريق زيادة الإنتاج بتشغيل المصانع والشركات العامة التى تقارب 194 شركة تقف "الغربان" على ماكيناتها، وغيرها من الأمور المطروحة بكل دقة وتفصيل وهى موجودة ولو شاء النظام لأخذ بها، لكن المشكلة الحقيقية تبقى دائما فى غياب الإرادة السياسية وسيطرة "البورصجية" على وضع السياسات الاقتصادية إلى جانب تعايش النظام مع الفساد. كيف ترى المشروعات التى يعلن عنها وينفذ بعضها النظام حاليا؟ النظام لديه نمط أولويات "منحرف" جدا يعكس شكل التحيز الاجتماعى الذى لا يختلف كثيرا عن تحيزات مبارك لرجال المال والأعمال، فمشروع كالعاصمة الإدارية مثلا يتكلف أموالاً باهظة جدا سيتم سحبها من البنوك وكان من الأجدر لو أننا نريد بناء اقتصاد قوى وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية أن يتم توجيهها فى مشروعات للتنمية كالصناعة والزراعة، إلا أن ما حدث هو حرمان قطاعات الإنتاج من فرصتها، ثانيا أن هذه المبانى التى سيتم إنشاؤها فى هذه العاصمة من مبنى للبرلمان ومبان للوزارات وغيرها سوف تتحمل الدولة تكاليف شرائها فى المستقبل من الموازنة العامة التى تعانى عجزا فى الأساس فيتم تحميلها عجزًا إضافيًا. وماذا عن مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة؟ المشروع فى ذاته لن يكون له جدوى سوى بعد عشر سنوات، فهو نمط للإنفاق يعكس شكلا من أشكال الأولويات غير المنضبطة، لكنها قد تكون مفيدة حين يكتمل تطوير محور قناة السويس ككل فى مشروعاته الصناعية، لكن هى لن تزود حصيلة المرور فى المجرى الملاحى للقناة، لأن حجم التجارة العالمية لا يزال متدنيًا منذ 2008 ونحن حصتنا معروفة منها ولا تتجاوز 10 إلى 12% تقريبا، ولذلك فإن الإيرادات لن تزيد، ولذلك كل ما يتم ترويجه من أنه فى عام 2022 ستضاعف حجم الدخل من 5 إلى 10 أو 11 مليار غير دقيق وغير صحيح، لكنها قد تساعد فى أن تصبح مشروعات محور قناة السويس أكثر جاذبية، لكن عدا ذلك فالنظام لا يملك رؤية حقيقية ولا خطة لهذا المشروع ولا أدل على ذلك من حديث الفريق مميش فى حفل إعلان بدء أعمال الحفر عن معاودة الرئيس للاتصال به صباحا بعد إبلاغه عن المشروع ليحضر إليه بملفاته كاملة، وكأنها "كبرت فى دماغه" فجأة ولم يكن هناك رؤية مسبقة بشأنه ولكنه فكر فيه من زاوية شخصية كعمل يضيف إلى شعبيته ويسجل كإنجاز فى عهده لا أكثر، فهو فى رأيى تلاعب بمشاعر الشعب فى هذا المشروع وهى بضاعة ستبور سريعًا ولن تستمر كثيرا مع المصريين الذين يحتاجون إلى نتائج ملموسة تضيف إليهم على المستوى المباشر والمعيشى. ألا يساهم سداد رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب للضرائب فى خفض هذا العجز بميزانية الدولة؟ بالعكس.. فهم يتهربون من الضرائب وينازعون الدولة فيها ولا يدفعونها، فبعد أن كانت الدولة تحصل على 25% من أرباح الشركات كضرائب ضغطوا على الرئيس فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى ليتم تخفيضها إلى 22.5 % ومع ذلك لا يدفعونها أيضا رغم اعترافهم على الملأ بأن مصر تعتبر ثانى أعلى دولة فى العالم من حيث هوامش الأرباح، إلا أنهم ينازعون فى الضريبة كل عام لتتراكم على مدار أربع أو خمس سنوات ثم يأتى وزير المالية ليعفيهم من سدادها كاملة كما فعل يوسف بطرس غالى فى 2005 حين أصدر قانونا جديدا بالتسوية ألغى به جميع المنازعات المالية مع رجال المال والأعمال وقال "عفى الله عما سلف ونبدأ من جديد"! هل يشبه ذلك فى مضمونه مصالحات وتسويات النظام مع رجال ورموز نظام مبارك؟ إلى حد كبير، فرجال أعمال مبارك ورموز نظامه كانوا أقرب ل"السمسرة" منهم إلى رجال الاستثمار، ولذلك فهم دفعوا شركاءهم من المستثمرين العرب للضغط على أنظمة الحكم بعد ثورة 25 يناير لعمل هذه المصالحات أو التسويات بدعوى حماية استثماراتهم، ولذلك أنا أؤكد أن كل المصائب فى مصر تحدث دائما بدعوى جذب الاستثمار والمستثمرين، فبدأ التنفيذ فى فترة تولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد حيث أصدر مرسوما بقانون للمصالحة رفضته القوى الثورية والشعبية فتأخر صدوره حتى أعلن عنه فى عهد المستشار عدلى منصور وحكومة حازم الببلاوى ولم يتم تطبيق القانون ولكن يجرى حاليا محاولة تطبيقه، بالإضافة إلى قانون الاستثمار الجديد الذى أصدره الرئيس السيسى رقم (17) لسنة 2015 وهو أحد القوانين المفسدة، حيث قنن فى مواده عدم الالتزام بقانون المناقصات والمزايدات هى أحد "التكات" الصغيرة التى كنا نستطيع من خلالها مقاضاة المسئولين المتسببين فى إهدار المال العام عن طريق اتهامهم بعدم الالتزام به، أما الآن فالقانون أسقط جميع هذه القضايا. القروض الدولية الجديدة هى الحل كما يؤكد المسئولون؟ أبدا، فهى نفس السياسات التى كان يتبعها نظام مبارك لسد عجز الموازنة بدلا من أن يفكر فى إعادة بناء الاقتصاد بطريقة تنموية، فحجم الدين الخارجى لمصر فى الحقيقة أكبر بكثير من الرقم الذى أعلن عنه البنك المركزي، فقد أعلن أنه 48.5 مليار دولار، والحقيقة أنه 60 مليار دولار، لأن ال 48 مليار هو الدين المباشر فقط على الحكومة المصرية لكن تضاف إليه 12 مليار دولار ودائع للكويت والإمارات والسعودية يضاف إليها الصين الآن، وهى التزام على البنك المركزى المصرى، أى فى النهاية على الدولة المصرية، ولو استمرت هذه السياسات فهذا معناه أن السيسى سيسلمنا البلد بعد انتهاء فترة ولايته وهو مديون بما يقدر قيمته على الأقل ما بين 60 و80 مليار دولار، بالإضافة إلى الدين الداخلى الذى وصل إلى 2 تريليون أى 2000 مليار جنيه، فقد تسلم مبارك البلاد فى 1981 وكان الدين الداخلى حوالى 15 مليار جنيه وتركه وهو 888 مليارًا، نحن اليوم نتحدث عن 2 تريليون (أى ألف مليار جنيه)، ما يعنى أنه فى الأربع سنوات الماضية تضاعف الدين مرة ونصف وليس هناك اقتصاد يمكن أن يتحرك بهذه المديونيات خصوصا وأننا لا نرى أى جهد حقيقى للتنمية. وكيف ترى وضع رجال الأعمال المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين؟ جماعة الإخوان المسلمين لديها قطاع كبير من رجال الأعمال داخل وخارج مصر، وكانت العلاقة بينهم وبين نظام مبارك أشبه بالشراكة، ولكن العلاقة مع النظام الحالى شبه مقطوعة، وهم يعملون بالتجارة ولا يقومون بأى مشروعات صناعية وزراعية، تماما كما كان يفعل "اليهود" الذين يفضلون العمل بالمشروعات المالية بحيث يكونون مستعدين لجمع أموالهم والمغادرة فور حدوث أى أزمة تهدد بقاءهم. وكيف يمكن أن تتحقق التنمية الحقيقية وتفادى أية كوارث اقتصادية؟ أولا: بإعادة بناء قطاعات الإنتاج واستكمال الدولة لاستثماراتها فيها، وإعادة تنشيط شركات القطاع العام لزيادة الإنتاج. وثانيا: يعاد هيكلة قطاعات الإنتاج التى بها شبهة فساد كبيرة مثل قطاع البترول بإعادة النظر فى سياسات التشغيل ونمط التعاقد مع الشركاء الأجانب، فهذا القطاع على سبيل المثال يجرى تبديد أمواله واستثمارها بشكل غير إيجابى ولا يفيد البلد، كذلك قطاع الثروة المعدنية الذى يؤكد أن مصر غنية بمواردها المعدنية ولكنه للأسف متروك للمقاولين مع المحافظين ومسئولى المحليات فأصبح "نهيبة" ولا يدخل منها للخزانة العامة للدولة سوى 130 مليون جنيه، بالإضافة إلى 7 مليارات أخرى تتسرب فى صناديق المحليات كرسوم وعمولات وإتاوات، وهو قطاع إذا جرت إعادة هيكلته وإبعاده عن قبضة المحافظين بإنشاء وزارة مستقلة بالثروة المعدنية وسياسات لتصنيع المنتجات المعدنية وعدم تصديرها خام، كذلك نمط جديد للشراكة مع القطاع الخاص المحلى والأجنبي، وخطة تصنيع لتشغيل 250 ألف مهندس وفنى مصرى على مدار 3 سنوات، تستطيع أن توفر قيمة مضافة تقدر بما لا يقل عن 20 مليار جنيه كل عام، وهذا على سبيل المثال. هل هناك تشريعات تنتظر صدورها أو تعديلها من البرلمان الحالى لدفع عجلة التنمية الاقتصادية؟ البرلمان أساسا صنيعة الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال، ولا أرى فيه أملا بهذا الشأن برغم وجود عدد محدود جدا من النواب المحترمين والمستقلين بحق، ولكنهم لن يستطيعوا التأثير فى السياسات التشريعية ولا الأجندة التشريعية للنظام والحكم، ولكن المراهنة دائما تكون على الرأى العام الذى بدأ يعرف ويعى ويحاسب. ماذا تتوقع للمؤتمر الاقتصادى المقبل فى شرم الشيخ؟ هو تقليد لتجربة بوتين فى سوتشي، ويغلب عليها الشكل عن المضمون ومن مطلوب أن يكون هناك شكل من أشكال الترويج ولكن مع غياب الرؤية والخطة الاستثمارية فهو مجرد تقليد ويعتمد فيه على بيع الوهم والكلام، وهى أيضا طريقة "البورصجية" الذين يبيعون للناس مجرد كلام وليست بضائع ملموسة، ولذلك أنا لا أتوقع أن يختلف المؤتمر المقبل عن الماضى لا من حيث النتائج ولا الأسلوب، فهو سيكون مجرد "زفة" كبيرة للترويج للرئيس عبد الفتاح السيسى وتوثيق مشروعيته كرئيس لمصر، لكن عدا ذلك فلا يمكن توقع أن يكون هناك ناتجا ملموسا لأن مستثمرى العالم ليسوا سذجًا، وأقل شركة لديها إدارات للبحوث وتقييم الأسواق وتستطيع أن تعرف وضع الاقتصاد المصرى والسوق أكثر من المصريين أنفسهم.