في أزمة الطائرة المدنية الروسية التي سقطت فوق سيناء في نهاية أكتوبر من العام الماضي 2015.. شارك في التحقيقات محققون غربيون، وراجعت "جهات أجنبية" إجراءات الأمن في المطارات المصرية!!.. ألم يعتبر ذلك ماسًا ب"السيادة الوطنية"؟! الغالبية تجاهلت هذا المعنى، رغم أنه والحال كذلك كان خطوة "مهينة" وماسة فعلاً بالسيادة الوطنية.. والتجاهل كان سيد الموقف، لأنه حدث بسبب أخطاء جسيمة في إدارة الأزمة، وتعاطي السلطات المصرية، مع الحادث، بنفس الطريقة "الاستعباطية" التي اعتادت التعامل بها مع الرأي العام في مصر (محاولة استغفاله). المشكلة لم تتوقف عند حدود الإهانة ب"التدخل الأجنبي" في سير التحقيقات، وإنما امتدت لتؤذي المصريين في "أكل عيشهم"، بإضافة محنة جديدة إلى السياحة، وتدهور دخل البلد من العملة الأجنبية، بالتزامن مع تآكل الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، ووصوله إلى حدود بالغة الخطورة. التجربة كانت قاسية، وترتب عليها أوضاع، جعلت المشهد أكثر بؤسًا، وحتى هذه اللحظة رغم الجهود التي لم تتوقف لإصلاح ما أفسده التعاطي المصري الرسمي مع الأزمة، فإن شيئًا لم يتغير، فيما بدت خيارات الحكومة المصرية شديدة التهافت، من خلال توظيف الفنانات في الدعاية للسياحة في شرم الشيخ، وكأن الروس والسياح الأجانب، سيغريهم هذا الوجود من فنانات مصريات لا يسمع عنهن أحد في الغرب، بوصفهن فنانات محليات لا يتمتعن بشهرة الراحل عمر الشريف مثلاً. ومع ذلك.. فإن التجربة لم تتعلم منها الحكومة، فالأخطاء هي ذاتها والأداء "الاستهبالي" هو سيد المشهد.. وبعد ثلاثة أشهر من أزمة الطائرة الروسية المنكوبة، صُدم العالم مجددًا باختفاء وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني"، والمدهش أن السلطات تعاملت معه أيضًا بذات المنطق الموروث من عهود ما قبل العصر الرقمي والإنترنت والسماوات المفتوحة (استغفال الغرب).. ما ترتب عليه من نتائج تتطابق تمامًا مع نتائج التعاطي المصري مع ملف الطائرة الروسية. فقد سمحت مصر بمشاركة 7 محققين إيطاليين في التحقيقات، في خطوة تعكس طبعًا عدم ثقة روما في مرفقي الأمن والعدالة في مصر.. وهي لم تعد حصريًا على المصريين الذين روعهم الانتهاكات وإجراءات التقاضي التي أعقبت 3 يوليو 2013.. وإنما انتقلت لتصيب الضمير الدولي، وتجعله أكثر تحسسًا إزاء هذين المرفقين، حال كانت دول غربية، طرفًا في قضية محل تحقيق أمني وقضائي مصري. ولكن المسألة هنا تتخذ أبعادًا أكثر تعقيدًا وخطورة، لأن السماح لإيطاليا بالتدخل في شؤون الأمن والقضاء في مصر، يعني صراحة، التنازل لدولة أجنبية لانتهاك السيادة الوطنية المصرية.. وهي مفارقة لم تعد صعبة على أي مراقب مبتدئ، لأنه في الوقت الذي يسمح فيه بهذه الانتهاكات للسيادة الفجة والخطيرة.. فإن سلطة ما بعد 3 يوليو، بدت هي أكثر السلطات التي تعاقبت على الحكم أكثرهم "ثرثرة" عن الوطنية والسيادة وهيبة الدولة، وحمايتها من المؤامرات الخارجية التي تستهدف "تفكيك مصر".. وترتكب باسم كل هذا "الأفيهات" انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان المصري. هاتان التجربتان (الطائرة الروسية وريجيني)، تؤكدان أن الوطنية والحفاظ على السيادة، ليس بالكلام والثرثرة ورفع الشعارات وبأغاني حسين الجسمي، وليس بإطلاق منصات الفضائيات الموالية لنهش أعراض المعارضة.. وإنما بإصلاح مرفقي الأمن والعدالة. مسألة بسيطة ولكن هل توجد إرادة سياسية متحلية بالشفافية والوطنية الحقيقية لا المصطنعة والمفتعلة لتبدأ بهذا المشروع القومي والوطني الجسور والكبير؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.