النور يقود قاطرة السلفية نحو التجديد الفقهى والسياسى بقوة وعزم لا يلين .. ففى أقل من عام واحد استطاع حزب النور السلفى أن يحرك المياة الراكدة فى بحر فقه المدرسة السلفية الذى كان يتميز إلى حد كبير برفض التجديد والتمسك الحرفى بالقديم . كما كان يعانى من الاستخدام المفرط لقاعدة سد الذرائع ورفض النصف الآخر من القاعدة وهو فتح الذرائع.. والميل إلى التحريم والبعد عن القياس والمصلحة المرسلة والاهتمام بظاهر النص.. كما عانت المدرسة السلفية طويلا ً من الرأى الفقهى الواحد وإلزام كل الأتباع به .. فلم تتعلم من المدرسة الأزهرية التى تبنت المذاهب الفقهية الأربعة منذ عهد الظاهر بيبرس وحتى الآن.. فالتعددية الفقهية من أهم مميزات الفقه الإسلامى العظيم .. ولكن كل ذلك تغير الآن على يد حزب النور. فقد كان هذا الفقه يحرم التصوير وينهى عن مشاهدة المباريات أو التحدث عنها كما كان يحرم التليفزيون والموسيقى بكل أنواعها .. فضلا ً عن تحريمه لتكوين الأحزاب السياسية أو الاعتراف بالتعددية السياسية أو المظاهرات السياسية .. وكان يحرم دخول مجلس الشعب اعتقاداً وليس لمجرد المصلحة والمفسدة لأنه يشرع من دون الله . وفى عام واحد استطاع حزب النور السلفى بهمته ومثابرته وجديته على تطوير الخطاب السلفى وفقهه تطويراً كبيراً يستلزم من الجميع الإشادة به وتشجيعه وتثمينه . فقد استطاع الحزب فى عام واحد أن يغير كل هذه المقولات قولا وفعلا .. فاعترف بالتعددية السياسية وحق تكوين الأحزاب وأنها ليست رجساً من عمل الشيطان أو تفريقا للمسلمين .. ولكنها وسيلة سلمية لتداول السلطة بدلاً من استخدام العنف أو تأبيد الحكم أو توريثه .. كما اعترف بأطياف الوطن المختلفة وحقهم فى المشاركة السياسية والتنافس السياسى حتى وإن اختلفنا معهم فى الفكر والرأى والتوجه أو البرامج . كما فرق الحزب بين خطاب الجماعات وخطاب الدولة .. وفقه الجماعة وفقه الدولة إلى حد كبير. بل واستطاع أن يخرج جريدة أسبوعية بسرعة جعل فيها صفحات للرياضة والثقافة ونحوهما . وانفتح فيها نسبيا على أطياف سياسية عديدة وإن كانت تحتاج حتى اليوم أن تدرك أنها جريدة لكل القراء وليست نشرة للسلفيين .. وأن تهتم بالأخبار كما تهتم بالرأى والتحليل .. وأن تستكتب كل الأطياف الوطنية ما لم تصطدم بثوابت الإسلام . كما استطاع الحزب أن يدرك أنه يمثل الدولة فتحاور مع دول عربية وغربية وأدرك أن مصر لا قبل لها اليوم بحرب مع الآخرين فأيد مبادرة كامب ديفيد .. لأنه لم يعد يمثل جماعة أو مسجد .. ولكنه يمثل الدولة التى يعلم الجميع أنها غير مهيأة اقتصاديا أو سياسياً أو عسكرياً أو بشرياً للحرب. كما استطاع أن يدير معركته الانتخابية بنجاح كبير وأن يحول جموع السلفيين والعوام لنصرته حتى حقق المرتبة الثانية فى البرلمان . كما أنه لم يلزم نفسه بمقولات بعض الشيوخ التى لا تتناسب مع دوره السياسى .. ومع ذلك احترم هؤلاء الشيوخ ولم يخسرهم وحرص على إظهار أنهم شيوخه حتى وإن اختلفت الأدوار فحقق المعادلة الصعبة التى فشل فيها البعض فضلا عن أنه زرع وحداته فى كل مكان فى الإسكندرية ومطروح وكفر الشيخ والبحيرة .. ففى كل حى شعبى سكندرى يوجد هناك مقر له. وحتى المظهر تغير تمامًا من الجلباب الأبيض الذى كان يصر عليه السلفيون إصراراً عجيباً وكأنه أنزل فى القرآن. فضلا عن إجادة استخدام الوسائل الحديثة مثل الفيس بوك وتوتير .. واللاب توب والنت وغيرها سواء فى الدعوة أو فى الانتخابات . كما استطاع الحزب أن يهتم فى الفترة الأخيرة بالبعد الاجتماعى .. من خلال بيع اللحوم والخضر والفاكهة بأسعار اقتصادية مناسبة. وإذا كان هذا الحزب قد فعل هذا فى عام واحد .. فماذا سيفعل فى عشر سنوات إذا سار بهذه المعدلات ورغم ذلك كله فإنه ينتظر حزب النور تحديات جسام .. سواء على المستوى الفكرى أو السياسى أو التنظيمى أو الاقتصادى أو البرلمانى أو طريقة إدارة الدولة داخلياً وخارجيا . وأرجو ألا يجعله النجاح السابق يركن أو يغتر فيهمل فيما هو آت . [email protected]