لقد "تكلست مصر وأصبحت كجثة راكدة خامدة خاملة وصارت بالإجماع تقريبا" دولة -مشكلة" ومهما اختلفت الآراء بين الرضا والرفض..فلن نختلف على أن مصر اليوم ليست في أحسن أحوالها بالقطع، إن لم تكن حقا في أسوئها. ولا داعي ولا جدوى من خداع النفس.. ولنركز من الآن على عيوبنا لننظر إلى عيوبنا في عيونها..لا لننسحق بها ولكن لنسحقها، لا لنسيء إلى أنفسنا ولكن لنطهر أنفسنا فعيوب الشخصية المصرية خطيرة وليست بالهينة أو الشكلية فهي التي أوردتنا مورد التهلكة في الماضي ووصمت تاريخنا بالعبودية للطغيان في الداخل.. وبالركوع للعدو الأجنبي الغاصب في الخارج"( جمال حمدان- شخصية مصر" عبقرية المكان 32-33) هذا ماذكره المفكر الفذ جمال حمدان بالنص منذ عقدين من الزمان، وازدادت أحوال مصر سوءا على سوء مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وتتوالى نداءات المخلصين دون جدوى، فقد مر أكثر من ثلاثة أشهر بلا أي تحرك أو تفاعل مع مقال المفكر الكبير المستشار " طارق البشري "، بعنوان ( الهدف الغائب في حركتنا السياسية ) وهو مقال يستحق أكثر من مجرد تفاعل بل يستحق التوقف والتأمل المناقشة لإلقاء الضوء علي عناصره المختلفة والبحث عن آلية لتفكيك بنية الاستبداد إن كانت هناك رغبة حقيقية للنهوض بهذا البلد وإخراجه من محنه وأزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه المقالة الي نشرت بصحيفتي العربي الناصري والمصريون 19/9/2005 ، ألقي المفكر الكبير الضوء على أحد المطالب المهمة للغاية والغائبة عن أهداف الحركات السياسية والاجتماغية في مصر، وهو فك عري الزواج الكاثوليكي أو حالة التوحد بين الحزب الحاكم والجهاز الإداري للدولة، باعتبار أن الأصل هو استقلال الهيكل الإداري والوظيفي وليس الدمج التام والتبعية المطلقة، وهو ما يمثل في حقيقة الأمر منفذا لشرور جمة، وكان إهمال التركيز على المطالبة بضرورة الفصل الوظيفي بين شقي السلطة التنفيذية السياسي والإداري سببا مباشرا في انحراف توجه الصواب والتهرب من المحاسبة والعقاب وشيوع الفساد والرشوة في جميع مؤسسات الدولة وهياكلها السيادية والاقتصادية والخدمية إن التجاوب مع دعوات وأشواق التغيير في الطبقتين الوسطي والفقيرة مصر، قد بدا على أرض الواقع أقل من المتوقع فكانت إسهامات ومشاركة كتلة التصويت الصامت في عملية التغيير ضد رغبة الجموع الواعية أو كانت شبه منعدمة لوقوع مصالحها وشئونها المعيشية والأمنية من ترقية وحوافز وعلاوات تحت سيطرة وهيمنة السلطة السياسية للحزب الوطني، بسبب انتقال ولاء الأجهزة الإدارية والمصالح المرتبطة بها من الأصل وهو الوطن إلي محور القوة والسلطة، وهو الرئيس وشركة الانتفاع الحزبي وهذا مخالف لفكرة التعددية التي نص عليها الدستور في مادته الخامسة وأصاب صحيح القانون في مقتل كما يرجع ضعف الزخم الجماهيري في أحد جوانبه الأخرى إلي ترويج شركة النظام الحاكم لعدم خطورة هذا الدور وأهميتة في فك الاشتباك بين النظام السياسي( المؤقت) والجهاز الإداري للدولة من ناحية السيطرة بهدف تفريخ الولاء، للفرد الحاكم وبمعني آخر ينبغي المطالبة – أولا- باستقلال الجهاز الإداري للدولة عن قوي الهيمنة السياسية الحالية أو المستقبلية، ولنا في الإجراءات التي اتبعها نادي القضاة أسوة عندما طالب بفصل السلطة القضائية وتحريرها من هيمنة وزارة العدل على شئون القضاء، وأري أنه ينبغى الفصل أيضا بين الجهازين السياسي والإداري في الجامعات المصرية بحيث تستقل الجامعة بشئؤنها الإدارية والفنية كمؤسسة علمية وتثقيفية وتربوية عن الهيئة السياسية ممثلة في وزير التعليم العالي،وجهاز المستشارين التابع واتخاذ الخطوات الإجرائية لذلك وهكذا دواليك في كل المؤسسات التنفيذية والنقابات المهنية لماذا ؟ وما الحكمة من وراء ذلك ؟ إن النظام السياسي( وفق الدستور) أمر طاريء ومتغير بتغير الحزب الحاكم من الرئيس والوزراء إلى مستشاريهم وخططهم المرحلية، أما الجهاز الإداري فثابت لأنه المنوط به تنفيذ الاستراتيجيات والخطط المقترحة سواء كانت قصيرة أو طويلة المدى، وعليه تعديل المسارات وفق المستجدات الداخلية والخارجية، فإذا تحكم المتغير ( وهو الحزب ) في الثابت ( وهو الإدارة) وهيمن عليه، فالنتيجة هي ثبات المتغير وتيبس مفاصل الحركة والإبداع في الجهاز الإداري ووقوع المجتمع بين حالتي الخوف والطمع، ودولة هذا سلوكها لابد أن تسقط في براثن الفوضى والشللية والفشل، خصوصا إذا كانت المباديء الأخلاقية ليست سوي زي يخلعه الفرد على باب مسكنه وبعد أداء العبادات( كما هو حالنا الآن) وبعيدا عن فكر المؤامرة ، يبدو أن كثيرا من الحيل القانونية التي ارتكبت في السابق لإشهار الزواج الباطل بين الحزب وجهاز إدارة الدولة تمت تحت جنح الظلام والتعتيم، وما تهرب النظام الحاكم وتوقفه عن عرض هذه القضايا على مجلس الدولة إلا حالة ترصد لتنفيذ الجرم مع سبق الإصرار لقد ركز مقال المستشار البشري على الخلل السابق ، وأتصور أنه لابد من إضافة عنصر آخر يمثل متغيرا ثقافيا احتضن ظاهرة التزاوج الباطل بين النظام السياسي وإدارة الدولة، وأقصد بذلك " حالة الفصام النفسي" للمواطن المصري في حياته اليومية، حيث تعد هذه الظاهرة تربة خصبة لرعاية الاستبداد ونمو الفساد بعيدا عن المساءلة، فكانت البيئة الثقافية حصنا يحمي المنافقين والمقصرين ومشتاقي السلطة وعاطلي الموهبة الذين صبغوا شيخوخة النظام الفكرية والعلمية والثقافية ببريق مزيف. هاتان الحلقتان المفقودتان في سلسلة متطلبات التغيير السلمي الديمقراطي، تفتقران إلى إضاءة واستقراء معرفي، وإن كانت الحلقة الثانية منهما تتطلب وقتا طويلا ومراحل متعددة لاستئصال جذورها من الممارسة شبه الجماعية، أما الحلقة الثانية فتحتاج لجهد خاص ووعي بالمخاطر المحدقة بمستقبل الأجيال القادمة ولذا ينبغي تبني الإجراءات اللازمة لتنفيذها ووضع الإطار القانوني والآلية المانعة لهيمنة النخب الحاكمة وتأبيها عن المساءلة، وقبل التفصيل أوجز الإشكاليتين في 1- التزاوج( الاندماج ) مظهر الخلل المعقد في العلاقة البنيوية بين السلطة السياسية والجهاز الإداري للدولة الذي أدي إلى تغيرات سلبية مرسومة فى أجهزة إدارة الدولة وتوجهاتها للتمحور حول نواة السلطة بدرجاتها المختلفة، وما اعترى هيكل النظام من رخاوة 2- الازدواجية( الفصام ) هي ظاهرة ازدواجية الشخصية وتمكنها من بنية المجتمع المصري، حيث تتوزع الشخصية بين ظاهر وباطن أو داخل وخارج، فكل فرد في المجتمع يعيش بوجهين وخطابين، الشخصية الأولى تظهر مع الذات فتفعل المنكرات الأخلاقية خفية والثانية تتجلي أمام الآخر فتقول الصدق جهرا ، فهناك شخصية في المنزل بين الأبناء والأقارب، والثانية في العمل ومجالات التفاعل العام، وقد تمكنت هذه الازدواجية من الشخصية المصرية-في الغالبية العظمى- وتحولت من السلوك المؤقت البرجماتي ( النفعي ) إلى الحالة المرضية ومثال ذلك ذكره أحد الزملاء من أساتذة الجامعة زهو ممن يحضرون اجتماعات الرئيس بأساتذة وطلاب الجامعة سنويا ففي أحد اللقاءات بالإسكندرية وبعد التفتيش والإهانة المعتادة للقيادات الجامعية من رؤساء الجامعات وعمداء وأساتذة تأخر الرئيس عدة ساعات عن الموعد المحدد، وبدأ الحضور في التذمر فيما بينهم وتفوهوا بألفاظ تلعن وتسب هذا الاجتماع وصاحبه...الخ ، وبعد الضجر والثورة المكبوتة بين الجلوس دخل الرئيس بعد تأخر دام أكثر من ثلاث ساعات وفي هذه اللحظة دقت طبول النفاق والتهبت الأيدي بالتصفيق الحاد رغم أنهم لايرون من الرئيس سوي يديه التي يشير بها لجموع المنافقين ولمناقشة هاتين القضيتين وأثرهما في تحجيم التفاعل بين القوي السياسية الحية والتشكيلات الشعبية والأهلية، لابد من البحث في جذور إشكاليتي التزاوج والازدواجية وتحليلهما، باعتبارهما: حدث (أوفعل) وبيئة حاضنة أديا لمشاركة قوي الجهاز الإداري للدولة في تقليل الحيوية الفعلية لمتطلب التغيير الملح اقتصاديا وحضاريا، وهذه القوي الإدارية المهدرة تمثل فى الواقع شريحة عظيمة الأهمية ظلت العمق الاستراتيجي لتسويق تغييب الوعي بالشأن العام، وكانت وعود توريث المنفعة للجهاز الإداري ملجأ نظام شركة الانتفاع المستبدة بالحكم وملاذها لتأجيل دفع المستحقات العاجلة التي طال انتظار موعد سدادها وأفضل قبل الحوار وطرح الأسئلة واقتراح الحلول لاشكالية توحش الاستبداد التأكيد علي أهمية نقطتي نظام هما: أ- إن مفتاح التغيير والتقدم كامن في روح الشعب أو المجتمع، فإذا لم تتحرك النخب الثقافية لتحريك روح الشعب واستنهاضها فليس هناك مكان آخر ينطلق منه الشعب نحو التغيير والتقدم ب- إن فهم بعض جزئيات إشكاليات الاستبداد التي يعاني منها المجتمع المصري( وغيره) لا يعني بالضرورة صواب الإجراءات والحلول المقترحة، ومن ثم يجب علينا رفض المنطق الذري في تناول القضايا واتباع الرؤية البانورامية للحالة المرضية المصرية، وذلك باستخدام المعادلة التي تجمع عناصر الإشكالية بوجوهها المختلفة وتبحث عن الرباط الذي يجمعها( وهذه الحالة أشبه مايكون بالشخص الذي يعاني من عدة أمراض فإذا حددت الوصفة الطبية لمرض بمعزل عن المرض الآخر فالنتيجة ستكون تدهور حالة المريض بسبب تأثير أحد الأدوية سلبيا على موطن مرض آخر) وننتقل بعد هذا لعرض بعض التساؤلات المفتوحة التي تحتاج إلى أجوبة تتضمن حلولا آنية ومستقبلية، وهي أسئلة مفتوحة للنقاش والأخذ والرد، وسأحاول اقتراح بعض الحلول - كلما أمكن-، وأتمني أن يشارك في الحوار كل المهمومين بشأن الوطن، وذلك بعرض رؤاهم وأفكارهم علي صفحات المصريون أو غيرها من الصحف، لأن تلاقح الرؤى والأفكار هو الذي يصوغ حركة التقدم المادي بعيدا صراع الديكة: س 1- ما حجم جهاز رسم السياسات بالنسبة لجهاز إدارة الدولة المصرية ؟ وما حجم الأجهزة الشعبية والخاصة التي لا تقع تحت سيطرته ؟ س2- ما الآلية التي يتم بها توزيع المناصب والترقيات في تلك الأجهزة الإدارية ؟ س3- ما هي آلية التي تحكم توزيع الاختصاصات والمسئوليات بين أجهزة الدولة ؟ س4- ما درجة التداخل والاندماج بين أجهزة الدولة والحزب الحاكم منذ نصف قرن؟ س5- ما درجة تأثير القطاع الخاص والاستثماري في عملية الإنتاج والتنمية، وهل يمكن تمييز أنشطة القطاع الخاص بالاستقلال عن الهيكل السياسي للدولة ؟ س6- كيف انتقل ولاء مؤسسات أجهزة الدولة التي يحكمها الثبات من المصلحة العليا للوطن- المفترضة- إلي مصلحة الفرد الحاكم الذي يحكمة قانون التغير؟ س7- ما هو الخيط الجامع لكل عناصر التخلف والفساد والتسلط ؟ س8- ما النتائج المتوقعة لإحجام النظام عن تعيين الخريجين في جهاز الدولة ؟ س 9- هل يؤدي تخلى النظام عن تشغيل الشباب وتسكينهم إلى تقليص حجم السيطرة الحكومية علي وعي المواطن ويوقف عمليات اعتقال المستقبل تحت فرصة العمل التي لم ولن تأت (المزيفة) ؟ س10- ما الحلول المقترحة لتفكيك حالة الالتصاق المرضي في بنية النظام المختل للعلاقة بين الجهاز الإداري والمؤسسة السياسية وتحويلها لعلاقة صحية؟ س11- ما الكيفية التي نستطيع بها التحول من مقاومة نظام الدمج الوظيفي النفعي إلي العمل بنظام تكامل الوحدات نحو الهدف الأسمى ؟ س12 هل تستعصي مشكلة الدروس الخصوصية( مثلا) على الحل ؟ ولماذا لم تفعل الحكومات المتعاقبة على امتداد ثلاثة عقود ؟ هذه لقطة من المشهد العام ولاستكال الصورة نتبع هذا المقال بمقال آخر بإذن الله [email protected]