الاستئناف لأول مرة تقبل دعاوى رد المحكمة.. والمحامون ينتهزون الفرصة للهروب من قبضته خبراء: المماطلة وضعف موقف المتهم وتكوين عقيدة مسبقة للقاضي.. صلة قرابة.. أو خصومة أهم الأسباب
عندما تصل العلاقة بين الدفاع وهيئة المحكمة لطريق مسدود وخاصة فى قضايا الرأى العام وقضايا الإرهاب يلجأ الدفاع إلى ثغرة قانونية وهى رد المحكمة ليتم إيقاف سير الدعوى لحين الفصل فيه، وقد شهد القضاء المصرى إقامة الآلاف من دعاوى رد المحكمة من رموز النظام البائد "مبارك " وأيضًا "مرسي" وجماعة الإخوان، ولعل أبرزها قضية "محاكمة القرن" المتهم فيها الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى و6 من مساعديه فى قضية قتل المتظاهرين والتى أقامها دفاع المجنى عليهم لرد المستشار أحمد رفعت، رئيس المحكمة، وكذالك القضايا التى اتهم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسى بقضيتى "التخابر مع حماس" و"الهروب من سجن وادى النطرون" والتى تم إقامتها هيئة الدفاع عن المتهمين برد المستشار شعبان الشامي، وجميعها تم رفضها وتغريم مقيمها. ومن الغريب أنه حتى عام 2015 لم تقم محكمة الاستئناف بقبول دعوى رد واحدة، مما جعل البعض ييأس من إقامتها ويلجئون لها فقط لإطالة أمد القضية وكسب مزيد من الوقت وتعطيل نظر القضية، إلا أنه فى مطلع العام الجارى وافقت محكمة الاستئناف ولأول مرة على رد المستشار محمد ناجى شحاتة والملقب بقاضى الإعدامات بعد أن قضت عليه تصريحاته لوسائل الإعلام والتى خرج فيها عن كونه قاضيًا وعبر من خلالها عن آرائه السياسية. "قبول أول طلب رد" ومن أبرز القضايا إلى تم فيها رد المستشار محمد ناجى شحاتة قضية محاكمة 30 متهما بخلية أوسيم لاتهامهم بتأسيس جماعة على خلاف أحكام القانون، تقوم باستعمال القوة والعنف بهدف تعطيل العمل بمؤسسات الدولة والاعتداء على المنشآت العامة وأن الإرهاب إحدى وسائلها لتنفيذ أغراضها وحيازة أسلحة نارية وذخائر مما لا يجوز الترخيص بحيازتها وإحرازها، والتى قضت محكمة الاستئناف ولأول مرة بقبول دعوى الرد، بسبب التصريحات الصحفية التى أدلى بها المستشار ناجى شحاتة لوسائل الإعلام وتضمنت إفصاحًا عن آراء سياسية ومواقف سياسية فى شأن الأحداث الجارية والمتهمين الذين يمثلون أمامه فى عدد من القضايا على نحو من شأنه أن يفقده صلاحية الاستمرار فى نظر الدعوى.
وانتهز المحامون الفرصة وتوالت بعدها طلبات ودعاوى رد المحكمة ومنها قضية إعادة إجراءات محاكمة خلية 6 أبريل، ومحاكمة 45 بخلية اللجان النوعية، والتى تم تأجيلهما ووقف نظرهما لحين الفصل فى طلب الرد المقدم من الدفاع، ومحاكمة محمود غزلان الذى تنازل عن طلب الرد المقدم منه ضده القاضى لتنحى المحكمة عن نظر القضية من تلقاء نفسها لضم القضية لضمها للقضية الأساسية. "شحاتة" والجدير بالذكر أن المستشار "محمد ناجى شحاتة" سمى بقاضى الإعدامات لأنه القاضى الذى أصدر أكثر من نصف أحكام الإعدام فى القضاء المصرى والأحكام المشددة، فقد ارتبط اسمه بالقضايا الشائكة، والمعروفة بمعارضتها للنظام الحالى سواء أكانت قوى ثورية أو من "الإخوان المسلمين"، ودائمًا ما يتم انتدابه لنظر قضايا الإرهاب ومن أبرز القضايا التى نظرها. القضية المعروفة إعلاميًا ب "غرفة عمليات رابعة"، والتى قضى فيها بإعدام الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، و13 آخرين بالإعدام، وأيضًا الحكم على الناشط السياسى أحمد دومة و230 متهما آخرين بالمؤبد فى أحداث مجلس الوزراء وتغريمهم 17 مليون جنيه، وقضية "أحداث مسجد الاستقامة" والتى أصدر فيها حكمًا بإعدام سبعة من قيادات جماعة الإخوان، وقضية خلية لماريوت. كما أصدر أحكام إعدام بالجملة فى "مذبحة كرداسة" بالإعدام الغيابى على 34 متهمًا و147 حكمًا بالإعدام حضوريًا. وعرف "شحاتة" بتصريحاته الإعلامية والحوارات الصحفية التى أوضح من خلالها عن ميوله لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فكانت إحدى عبارته "لا أعمل بالسياسة وليس لى علاقة بالبرادعى ولكن لو تحدثت بصفتى مواطنا سأقول إننى أميل إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى". وأيضًا تصريحه الذى أوضح عداءه لجماعة الإخوان المسلمين، حيث قال: "لا مصالحة مع عصابة الشر، ذوى اللحى التى تخفى وراءها القتلة والهاربين من السجون والجواسيس، وكفى نفاقا يا من تتمسحون بالشرعية". وأيضًا تصريحاته بشأن رأيه فى ثورة 25 يناير والتى وصفها بأنها "25 خسائر وأنها ثورة بنت 60 كلب، لأنها هدمت أخلاق المصريين"، وأيضًا وصفه لحركة 6 إبريل ب"6 إبليس" وأنهم يهدفون لتشويه صورة الشرطة، ووجه السباب لكثير من الإعلاميين وانتقد اللجنة العليا للانتخابات وبعض أحكام محكمة النقض، مما يخرج عن أصول العمل القضائي. وفى هذا السياق ناقشت "المصريون" خبراء القانون والدستور عن الخطوات القانونية لهذا الإجراء ومتى يلجا إليه المحامون؟ وما جدواه؟ وأسباب قبول طلب الرد؟ فى البداية أوضح المستشار "محمود عز الدين" رئيس محكمة الجنايات الأسبق، أن المادة (153) من القانون نصت على أن طلب رد المحكمة يجب أن يوضح فيه طالب الرد أسبابه ودفوعه مدعمًا بالمستندات والأسانيد، وبناء عليه يتم تكليف دائرة بمحكمة الاستئناف أو النقض للفصل فى طلب الرد ويتم الفصل فى الطلب فى فترة لا تتعدى شهرين ويعد حكمها حينها غير قابل للنقض. وأشار إلى أنه وفقًا لأحكام المادة (951) مرافعات فإن المحكمة عندما ترفض طلب الرد، فإنها تحكم أيضًا بغرامة لا تزيد على الألف وخمسمائة جنيه على طالب الرد مع مصادرة الكفالة، وأيضًا أوجبت المادة (152) مرافعات أنه لا يقبل طلب الرد بعد إقفال باب المرافعات فى الدعوى. وكذالك تنص المادة (162) أن الدعوى الأصلية يتم إيقافها تلقائيًا بعد طلب الرد على أن تعود مرة أخرى للانعقاد بعد الفصل فيه، ومنحت المادة (165) الحق للقاضي، فى حالة رفض طلب الرد فى رفع دعوى تعويض ضد مقدم الطلب، ولكنه حينها يصبح غير صالح للفصل فى الدعوى الأصلية. وأضاف "محمد عمارة" الخبير القانوني، أن هذا الإجراء يلجأ له المحامون فى محاولة منهم لتعطيل الدعوى وإطالة أمدها لشعورهم أن القاضى يتجه لإصدار حكم ليس فى صالحهم، أو أن موقف موكلهم ضعيف فى القضية، فيحاول المحامون الوصول بالدعوى لسنة قضائية جديدة تزيد من احتمالية نقل القضية برمتها لدائرة أخرى. وقال "محمود حجاج" الخبير الدستوري، إن هناك حالات حددها القانون يجوز فيها رد المحكمة وهى إذا قام القاضى بعملٍ من أعمال التحقيق أو الإحالة، أو الإدلاء بشهادةٍ، أو صلة قرابة، أو مصاهرة تجمعه مع أى طرف من الأطراف بالدعوى، أو أن يكون طرفًا فى الخصومة، أو أن تكون المحكمة قد كونت عقيدة أو رأيًا مسبقًا قبل المحاكمة وتعلنه فى وسائل الإعلام يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل. وأشار إلى أن هناك حالات حددها القانون تجب على المحكمة التنحى من تلقاء نفسها عن نظر القضية، وهى إذا كان بين القاضى وبين ممثل النيابة العامة أو المدافع عن أحد الخصوم صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الثانية، وإذا كان زوجًا لأحد الخصوم أو كان قريبًا أو صهرًا له إلى الدرجة الرابعة، وإذا كان وكيلًا لأحدهم فى أعماله الخاصة أو وصيًا أو قيمًا عليه والأمر متروك فى النهاية لضمير القاضي، وعلاقته بالمولى عز وجل.