فشلت جولة جديدة من مفاوضات جنيف لحل الأزمة في سوريا، لم تحدث مفاوضات من الأصل، لم يلتق الطرفان: النظام والمعارضة، النظام لا يريد الاعتراف بأن هناك معارضة لها مطالب تتجاوز ما يريده هو، مطالب بناء سوريا جديدة بدون استبداد وتوريث، المعارضة تقدم تنازلات مستمرة، لم تكن تريد الذهاب إلى جنيف لأنها مفاوضات بلا معنى في ظل استمرار العدوان الروسي على المدنيين، واستهداف قواتها وفصائلها، وترجيح كفة النظام، وتهيئة الأرض له ليسترد كل يوم المزيد منها حتى عندما تنعقد مثل تلك المفاوضات تكون لديه أوراق على الأرض أكثر وأقوى، ذلك هو هدف الغارات الروسية، وكما قلنا وقال آخرون مبكرا إن داعش كان مجرد ستار للتدخل، ثم أضاف الروس ستارا آخر، وهو جبهة النصرة، ثم بدأوا يضيفون كل يوم منظمات جديدة ويصنفونها بأنها إرهابية، حتى المنضوية في الجيش الحر والتي لها تمثيل سياسي في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة ، الهدف الروسي الحقيقي المعروف منذ اليوم الأول للغارات هو إضعاف أو إنهاء المعارضة المعتدلة القادرة على عزل وتنحية التطرف، وأن تكون شريكا في الحكم بدون المستبد، وإسناد الأسد بأي ثمن، فهى لم تكن تسمح بسقوط حليفها الذي سلم لها سوريا وقرارها وسيادتها ومقدراتها، وبالتالي سقوط مشروعها ووجودها في هذا البلد. اليوم سوريا هى جمهورية أخرى تابعة للاتحاد الروسي لها حكومة في دمشق محدودة القرار، لكن الحكومة المركزية صاحبة القرارات النهائية والاستراتيجية هناك في موسكو في قصر الكرملين، هل تتذكرون عندما استدعى القيصر بوتين عامله على دمشق إلى موسكو تحت جنح الظلام، ذهب الأسد وعاد خفية، والإيرانيون من داخلهم غير راضين عن هذا التطور الجديد لأن كفتهم لم تعد راجحة وكلمتهم لم تعد حاسمة، لكنهم دهاة يعلمون أن لهم في سوريا قدرا ونصيبا وشراكة في الوصاية على البلد والنظام. الروسي الذي جاء لحرب الإرهاب لمدة ثلاثة أشهر بدأت في أكتوبر وكان مقررا أن تنتهي في ديسمبر الماضي تم تمديدها لتدخل اليوم الشهر الخامس، ثم يعلن وزير الخارجية لافروف أن الحرب مفتوحة حتى يتحقق النصر، أي نصر؟، وعلى من؟، ولصالح من؟، بات الأمر معروفا ، النصر على السوريين، معارضة في جنيف، وجيشا حرا معترفا به دوليا، وشعبا بائسا مدمرا يقبع نصف مليون منه في الداخل تحت حصار القتل والتجويع من النظام وحزب الله وباقي الميليشيات، وحصارا آخر من داعش وفصائل أخرى. الروس امتلكوا ورقة سوريا، ولن يستطيع أحد أن يزحزحهم، لكن الكلفة باهظة على المدنيين، الروس غافلوا أو استغفلوا الرئيس الأمريكي أوباما هذا إذا كنا حسني الظن، وإذا كان العكس فقد غض أوباما الضعيف الطرف عن تواجد الروس متواطئا معهم باعتبار أنهم يصفّون الإرهاب الوافد من دول العالم إلى تلك القطعة من الأرض التي صارت مغناطيسا لهم، وباعتبار أنهم يدعمون الأسد ليبقى لأنه ربما وفق الحسابات الجديدة الخفية لأمريكا والغرب أنه الأفضل لهم ولإسرائيل، يريدون تقوية الأسد شيئا فشيئا، فلا تجد المعارضة في نهاية الأمر غير القبول به والتعاون معه مضطرة، ويكون أوباما قد تحقق له ما أراد دون أن يكون انقلب بشكل مباشر ومخجل على تصريحه بأن الأسد فقد شرعيته ، لذلك يتحدث لافروف بعنجهية وكأنه يحارب جيوشا جرارة، وليس يقتل مدنيين عزلا، ويستهدف معارضة لا تكافئه في القوة والقدرات ولو بنسبة واحد إلى عشرة، ويترك داعش إلا قليلا ذرا للرماد في العيون لتنتهي الحرب بين طرفين: الأسد المسيطر على معظم الأرض، وداعش، فلا يجد العالم غير المضي في الخطة وإبقاء الأسد، فمن ذا الذي سيدافع عن داعش؟، وهنا تضيع مطالب الحرية والكرامة التي يناضل من أجلها ملايين السوريين، ويسددون أغلى كلفة في التاريخ ثمنا لها. لم يكن أحد يشك للحظة واحدة أن جنيف ستفشل، وقد تحقق ذلك، واضطر المبعوث الأممي دي ميستورا لتجميد المفاوضات إلى 25 فبراير القادم، وعبر عن يأسه قبل ساعات من قراره قائلا: إن مستوى الثقة بين الطرفين شبه معدوم، وإذا حصل فشل هذه المرة فلن يعود هناك أمل. وكبير المفاوضين في وفد المعارضة محمد علوش قال: إنه ليس متفائلا بجهود إنهاء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، فالمشكلة ليست مع دي ميستورا، ولكن مع النظام المجرم الذي يفتك بالأطفال، وروسيا التي تحاول دائما أن تقف في صف المجرمين. صورة قاتمة، لكن لا يعني انتصار الروس لصالح الأسد أن سوريا ستعود كما كانت، فهى إما تُقسّم فعلا إلى دويلات، منها دويلة علوية يعمل الروس على رسم حدودها الديموجرافية للأسد، أو يتوسع النظام ويرتكب مجازر جديدة رهيبة تطهيرية في المناطق التي يستعيدها، أو يتفشى الإرهاب مثل الطاعون وبأضعاف ما هو موجود ليتحول المعتدلون والمسالمون مضطرين إلى دواعش. الروس والغرب والنظام وكل الدمويين والمتخاذلين يدفعون السوريين اليوم دفعا إلى طريق داعش، طالما أن الاعتدال ليس له ثمن وينهزم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.