لا شك في أن فيروس الكبد سي "HCV" يمثل لنا أهمية كبيرة خاصة في مصر حيث أنه يمثل أكبر نسبة إصابة فيروسية يقدر نسبتها بأكثر من 10% من عدد السكان، أي أكثر من عشرة ملايين، لكن الأمل في هبوط هذه النسبة الآن أصبح كبيراً بعد ظهور بعض الأدوية-مثل سوفالدي-والذي يعطي نسبة شفاء تفوق 90%. الفيروس كروي الشكل، صغير الحجم (55-65 نانوميتر) محاط بغلاف مكون من طبقتين من الدهون ذات أصل خلوي-أي مأخوذة من الخلية التي خرج منها-مغروس فيها جليكوبروتينات من مكونات الفيروس الأصلية تسمي E1 وE2 يحمل شفرتها منطقة علي جينوم الفيروس-آر إن إيه-تُسمي المنطقة الفائقة التغير والمسئولة عن سرعة التطفر في الفيروس وظهور طفرات جديدة. المعروف أن معدل التطفر عموما في الفيروسات التي تحتوي "آر إن إيه" أعلي بكثير منه في الفيروسات التي تحتوي "دي إن إيه" حيث تحتوي الأخيرة علي نظام إنزيمي يصحح الأخطاء الناجمة عن بلمرة النيوكليوتيدات عند تكوين الحمض النووي الفيروسي الجديد وتلك النظم تغيب في الفيروسات التي جينومها آر إن إيه، وهذا يفسر وجود مدي واسع لسلالات أو أنواع جينية من فيروس سي. سبعة أنواع جينية معروفة-1-7-حتي الآن لفيروس الكبد سي، وينتشر في مصر النوع الجيني 4. تختلف الأنواع الجينية عموماً في حوالي من 30-35% من ترتيب القواعد النيتروجينية علي طول الجينوم الفيروسي، وهذه الانواع الجينية لها اهمية من الناحية العلاجية حيث-غالباً-تعتمد كفاءة معظم العلاجات الحديثة علي النوع الجيني للفيروس. تعتبر الإصابة بأي من الأنواع الجينية المختلفة لا يمنح الجسم مناعة ضد الأنواع الجينية الأخري، هذا بالإضافة الي أنه قد يصاب الشخص بسلالتين أو نوعين من الفيروس في آن واحد، إلا أنه في أغلب تلك الحالات فإن إحدي هذه السلالتين تقضي وتمحو السلالة الأخري-في وقت وجيز-مما يدعو الباحثين للتفاؤل حيث أن تلك النتيجة قد تفتح الطريق لعمليات إستبدال تتم داخل الخلية بإدخال سلالة تستجيب للعلاج وقادرة علي إبعاد والتخلص من السلالة الشرسة والعصية علي العلاج. شدة مِراس فيروس سي وصعوبة التعامل معه تكمن في أن جينومه-حمضه النووي- يحتوي علي شفرة إضافية لتكوين نوع دقيق من الحمض النووي نادر يسمي "ميكرو آر إن إيه miRNA " وبالمناسبة يوجد مثيله في خلايا الكبد المصابة بالفيروس وهذا الحمض النووي يقوم بدور هام في تأصيل وتثبيت عملية الإصابة المزمنة بالفيروس، كما يعوق عملية القتل الذاتي والتي تقوم بها الخلية المصابة بالفيروس متطوعة بقتل نفسها لتنقذ باقي الخلايا السليمة من تسرب جزيئات الفيروس إليها، كما أنه يُسهل تخفي الفيروس وإفلاته من قبضة خلايا الجهاز المناعي وفشلها في التعرف عليه وبالتالي صعوبة التخلص من الفيروس، هذا بالإضافة الي أنه يحفز كمون الفيروس بخلايا الكبد لتتحول لإصابة مزمنة. تُعد سرعة التطفر في الفيروس-تغير طفيف في غلاف الفيروس- أحد موانع وجود لقاح له حتي الآن، سبب آخر هو صعوبة إستزراع كل الأنواع الجينية للفيروس علي مزارع أنسجة مأخوذة من أنسجة ثدييات وبالتالي صعوبة تركيز جزيئات الفيروس لتسهيل عمل لقاح له، إلا أن الأبحاث الحديثة نجحت في إستحداث ريبليكونات للأنواع الجينية-الريبليكون جزء من المادة الجينية قادر علي التضاعف الذاتي-قادرة علي التضاعف داخل بعض خطوط لخلايا الكبد البشرية والتي يتم فيها تكوين جينوم كامل للنوع الجيني رقم 1 "”HCV-1 ولم يقتصر العلماء علي خلايا الكبد فقد وإنما نجحت بعض المحاولات لزراعة الفيروس علي أنواع أخري من الخلايا. إدخال نظام الريبليكون الفيروسي في عملية إكثار الفيروس أعطي صورة واضحة ومفصلة عن التركيب الجزيئي لجينوم الفيروس-كان سابقاًمعقد ويكتنفه بعض الغموض-وكذلك التفاعلات التي تتم بين خلايا العائل والفيروس مما حفز الباحثين علي تخليق مثبطات جديدة توقف تضاعف-تكاثر-الفيروس، كما أن ساهم في وجود أنظمة جديدة ساعدت في عملية إكمال دورة تضاعف كاملة للفيروس. أوضحت الدراسات الحديثة أنه تم عمل لقاح ناجح للفيروس النوع الجيني 1، شمل اللقاح علي نوعي البروتينات التي توجد في غلاف الفيروس وهي E1 وE2 وقد تم إختباره علي الشمبانزي فأعطي مناعة لخمسة حيوانات لكل سبعة تم حقنهم باللقاح الجديد. يحدث في بعض حالات تشخيص فيروس سي أثناء مراحل العلاج أو بعد الإنتهاء منه باستخدام تقنية "بي سي آر PCR" قد تكون النتيجة خادعة أي تكون سالبة للفيروس وهي في الحقيقة غير ذلك حيث مازال بعض جزيئات الفيروس مختبأة بالخلايا، ويفسر الباحثين ذلك بأن كل خلية في الكبد مصابة بالفيروس يتحرر منها علي الأقل 50 جزيء فيروسي جديد، أي بما يعادل تريليونات من تلك الجزيئات تخرج من كل الخلايا المصابة في الكبد، تتعامل معها مشتركة خلايا الجهاز المناعي بالجسم مع المادة العلاجية الفعالة فتقضي علي غالبية جزيئات الفيروس وقد يبقي بعضها كامنة، ولكي نقطع الشك باليقين في وجود فيروس من عدمه، ينصح بأخذ عينة من الكبد المصاب-فيروسكان-لفحصها للتأكد من خلوها من الفيروس وكذلك كفاءة العلاج المستخدم. تعتمد العلاجات الحديثة علي سد الطريق علي الفيروس من إتمام دورة تضاعفه وذلك بإستهداف إما أجزاء علي الخلية مستقبلة للفيروس أو وقف نشاط إنزيمات تقوم بأدوار هامة في العملية. تتباري شركات الأدوية والعلماء المتخصصين لإنتاج علاج قادر علي وقف ثلاث إنزيمات تخص الفيروس وهامة في تكاثره وهي "إنزيم البوليميراز وإنزيم البروتييز وإنزيم الهليكاز" في ضربة واحدة، يُذكر أن العلاج الجديد والمستخدم الآن "سوفالدي" يعمل فقط علي وقف نشاط إنزيم البوليميراز. مثل بقية الفيروسات فإن فيروس سي ضعيف جداً خارج الجسم-الخلايا الحية-حيث قدرته علي البقاء لمدة 16 يوم عند درجة حرارة 25 درجة مئوية، ويتأثر بإرتفاع درجات الحرارة سلباً فيفقد نشاطه مع إرتفاع درجة الحرارة في الجو الخارجي-البيئة-فيفقد نشاطه ويموت بعد يومين إذا وجد في درجة حرارة 37 درجة مئوية، ويظل محتفظاً بنشاطه لأكثر من 6 أسابيع عند درجة 4 درجة مئوية أو أقل. وبسهولة يمكن قتل الفيروس في الأشياء الملوثة به بعد تسخينها عند درجة حرارة 60 درجة مئوية لمدة 8 دقائق أو خلال 4 دقائق عند درجة حرارة 65 درجة مئوية، الامر الذي يعكس ضعف الفيروس خارج الجسم وشراسته وإمساكه لزمام الأمور-يصبح المايسترو- داخل الخلايا المصابة وكذلك صعوبة التخلص منه. للحفاظ علي سلامة الكبد فإن بعض التوصيات من قبل المتخصصين في إدارة السياسات الرشيدة في التعامل مع حالات الإصابة بالفيروس مع العلاج أو بعده حيث أوصوا بالآتي: أولاً: يجب الإمتناع الكامل عن تناول أدوية دون إشراف طبي، وعدم التعرض للمبيدات، والكف عن تناول الوجبات السريعة "فاست فودز"، وعدم تناول الاغذية المحفوظة أو الجبن المطبوخ، أو تناول مكملات غذائية صناعية، وعدم تناول الاغذية الملوثة بالأفلاتوكسين-سموم تفرزها بعض الفطريات-مثل الفول السوداني، والإبتعاد عن تناول الأعشاب والخلطات من الفيتامينات التي تحتوي علي دهون تزيد عن المعدل اليومي المقرر، وأخيراً الإبتعاد عن الزيوت المهدرجة. ثانياً: الإلتزام بنظام غذائي متوازن يحتوي علي بروتينات ونشويات وكذلك دهون مسموح بها في حدود السعرات المناسبة حسب السن والطول والوزن تحت رعاية طبية. ثالثاً:ممارسة الرياضة المناسبة يومياً بشكل منتظم، تحت قواعد وشروط محددة، وينصح بالمشي يومياً علي الأقل عشرون دقيقة حيث أن ذلك مفيد جداً للجسم.