تناول الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، القضية المثارة بشان المستشار هشام جنينية رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، مؤكدًا أن السمة الغالبة على معظم المناقشات وردود الأفعال متأثرة بالانحياز الشخصى والسياسى والأيديولوجى لأصحابها، ما سيجعل من "جنينة" إما مجرما متآمرا وخائنا وعميلا، أو قاضيا جليلا محاربا للفساد وشهيدا. وكان نص مقال "حسين"، بصحيفة "الشروق": فى قضية المستشار هشام جنينة وتصريحه الخطير بأن تكلفة الفساد فى مصر تصل إلى 600 مليار جنيه، ثم تقرير لجنة تقصى الحقائق التى وصفته بأنه مضلل، كانت السمة الغالبة على معظم المناقشات وردود الأفعال متأثرة بالانحياز الشخصى والسياسى والأيديولوجى لأصحابها أكثر منها محاولة لمعرفة الحقيقة، والنتيجة هى مزيد من الاستقطاب وطمس هذة الحقيقة. والأخطر أن مثل هذا النوع من المعالجات سيجعل من جنينة إما مجرما متآمرا وخائنا وعميلا، أو قاضيا جليلا محاربا للفساد وشهيدا. لو جاز لى اقتراح نصائح وأفكار لتمنيت أن يكون التعامل مع هذه القضية فى الأيام المقبلة، فنيا محضا، لا صلة له من قريب أو بعيد بالسياسة. علينا أن نفكك الموضوع، جنينة قال، فى حوار صحفى ل«اليوم السابع»، كلاما محددا خلاصته أن تكلفة الفساد فى مصر حوالى600 مليار جنيه. فى حين أن تقرير اللجة التى شكلها رئيس الجمهورية كان فنيا وحذرا فى صياغته، وقال بوضوح إن تقديرات جنينة مرسلة ومضللة وتضخم وقائع الفساد وتلوى الحقائق. اسوأ شىء حدث بعد صدور تقرير لجنة تقصى الحقائق، أن الجميع ركز على الأعراض وليس على الجوهر. الهوامش أن يتحدث البعض عن جنينة باعتباره إخوانيا متآمرا، فى حين يرد أنصار الإخوان بأنه قاضٍ جليل. يقول أنصار الحكومة إنه يريد أن يشوه صورة مصر لتهرب الاستثمارات منها، ويرد أنصار الإخوان بأنه محارب صلد للفساد، وأنه ضحية الفاسدين. تلك هى الكارثة فى الأمر كله، وفى معظم الأمور فى مصر، نهرب جميعا إلى الهوامش وننسى جوهر الموضوع. تقرير تقصى الحقائق يوجه اتهامات محددة لجنينة. فى تقديرى الموضوع بسيط، ومن الآن وحتى يحسم الأمر علينا أن نركز على نقاط محددة حتى لا نتوه فى دوامة التفاصيل. إذا كان جنينة يقول مثلا إن هناك إهدارا للمال العام بمبلغ كذا فى قضية الحزام الأخضر مثلا فعلى البرلمان أو أى جهة فنية متخصصة، أن تحسم الأمر وتقول لنا هل هذا الإهدار صحيح أم لا وما هى تفاصيله؟، وبالتالى سوف نعرف وقتها من كان مخطئًا ومن كان مصيبًا. اسوأ حل تلجأ إليه الحكومة أن تنجر وراء مقالات وعناوين بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، وتجعل الموضوع يتحول إلى معركة سياسية. وإذا استمرت الأجواء هكذا فإن هذه الطريقة ستحول المستشار جنينة إلى شهيد حقيقى. الفساد موجود فى مصر قبل تولى جنينة منصبه، واغلب الظن أنه سيبقى بعد خروجه لفترة ما، حتى نمتلك آليات فعالة لمحاربته، وبالتالى فالرجل ليس شهيدا، بل أدخل نفسه أو أدخله آخرون فى متاهة لا نعرف الكثير عن تفاصيلها. لو كنت مكان الحكومة والبرلمان لأحضرت فريقا متخصصا فاهما فى الإدارة والحسابات، وناقشت جنينة فى كل ما قاله وذكره من وقائع وفندتها.. ولو كنت مكان الحكومة لحققت بالتفصيل فى كل الوقائع والبنود الواردة فى الاتهامات، حتى نصل إلى نتيجة إما انها صحيحة ويتم إحالتها إلى النيابة، أو كاذبة وبالتالى يتم مساءلة جنينة عن تفسيره لها. يعتقد البعض أن هناك فخا محْكما تم نصبه لجنينة. وهذا الكلام يكرره أنصار الإخوان وآخرون، من دون أن يكلفوا أنفسهم مناقشة موضوعية لما ورد فى الاتهامات والردود عليها. غالبية من تحدثوا أفتوا فى الموضوع بغير علم، وتحدثوا عن انطباعات عامة. لدينا وقائع محددة، وحسنا فعل الرئيس أنه أحال الأمر للتحقيق ولمجلس النواب. ما أتمناه ألا نقع فى مصيدة بعض النواب «إياهم» فى البرلمان.. مطلوب على وجه السرعة أن يتم الأمر بأفضل طريقة فنية ممكنة وبوضوح، ويا حبذا أن يكون ذلك علنيا. أى لعب أو التفاف فى الموضوع سيعطى المستشار جنينة الحق فى أن يتعامل مع نفسه باعتباره ضحية مؤامرة واسعة الأركان لإقالته، رغم أن رئيس الجمهورية يملك إقالته منذ شهور، ورد أن جنينة على حد علمى قدم استقالته أكثر من مرة للرئيس حتى قبل صدور القانون الذى يعطى الرئيس حق إقالته.