لقد قام الإعلام الأمني الموجه بحملة ضارية ليست ضد الفساد، لحماية المال العام وحرصًا على سمعة مصر في المحافل الدولية، ومحاولة انتشالها من الضياع الذي تركض إليه ركضًا، وبناء مصر بحجم الدنيا، وإيجاد فرص عمل كريمة لشبابها. لم تكن الحملة لشيء من ذلك أبدًا ولكن كانت الحملة على المستشار جنينة، الذي أعلن أن الفساد قد أضاع على الدولة 600 مليار جنيه عن المدة من 2012 حتى 2015. وعلى الفور تم تشكيل ما سمى بلجنة تقصي الحقائق لبيان حجم الفساد، وهذه اللجنة مطعون عليها من عدة نواح نتناولها على النحو التالي: 1- أولا أن الأمر يتعلق بحسابات وأرقام محددة وجهات معيّنة مسؤولة عنها، ومن ثم فليس هناك أي مبرر لتشكيل هذه اللجنة، وإنما يكون الأمر بمواجهة هذه الجهات بالتقرير للرد عليه، وبيان مدى صحته من عدمها بالمستندات. 2- التقرير أعدّه الجهاز المركزي للمحاسبات وليس المستشار هشام جنينة، وكل رقم موثق بمستنداته. 3- لاحظنا أن الهجوم كله والحملة المسعورة قد انصبت على شخص المستشار جنينة، ولم تنصب على الجهاز الذي يرأسه، ودارت الأسطوانة المشروخة ثانية بحملة الافتراءات والأكاذيب التي يقودها أحد الوزراء وإعلام الجهات الأمنيّة ضده منذ سنوات. 4- اللجنة تم تشكيلها من أعضاء وزارات متهمة بالفساد وعلى رأسها وزارتا العدل والداخلية. 5- حجم المستندات والوقائع الخاصة بالتقرير تتعلق ب 600 مليار جنيه، فكم يكون حجم المستندات التي يتعين الاطلاع عليها للتأكد من سلامة التقرير من عدمه. 6- كيف تمكنت اللجنة من إنجاز مهمتها في أربعة عشر يومًا. 7- لقد تضمن التقرير أن هناك مبلغ 174 مليار جنيه تتعلق بمخالفات تمت إزالتها في عام 2015، ولم تبيّن اللجنة تاريخ وقوع المخالفة وما إذا كانت هذه الإزالة تمت بعد الإعلان عن التقرير أم قبله؟ ولم يُبيَّن ما إذا كانت هذه الجهات قد أبلغت الجهاز بالإزالة من عدمه. 8- هذه النقطة تحديدًا تحسب للجهاز المركزي، إذ لولا اكتشاف ورصد هذه المخالفة لبقيت واستمرت دون إزالة، خاصة لو علمنا تاريخ وقوع المخالفة وهي أمور قد أغفلها تقرير اللجنة وتدعو الرأي العام للتساؤل عما إذا كان المقصود اتهام جنينة على أي نحو. 9- أجهزة الإعلام تابعة لجهات أمنيّة تحركها متى شاءت وكيف شاءت وهو أمر محل اعتراف منهم، كما أن الزند يتمتع بحماية جهة أو جهات نافذة في الدولة قد حمته من مجرد تحقيق الاتهامات الموجهة له، والتي قدمت بشأنها بلاغات، وحفظت له البلاغ الخاص بأرض الحمام بإجراء باطل قانونًا، كما دفعت به إلى وزارة العدل، وله العديد من الأذرع الإعلامية التي تدافع عنه وتهاجم المستشار هشام جنينة. 10 - الجهاز المركزي كشف فسادًا بالمليارات في وزارة الداخلية والأمن الوطني والنيابة العامة، فهل من المتصور أن تنتظر هذه الأجهزة حتى يدخلها السجن بتقاريره ومستنداته، أم تسعى للخلاص منه قبل أن يقضي عليهم. 11- لم يستثن المستشار جنينة وزارة أو هيئة خاضعة للقانون إلا وراقبها أو سعى لمراقبتها ولم يسانده أحد في تطبيق القانون عليها، فلم يفلح في مراجعة حسابات نادي القضاة، كما لم يفلح في مراجعة بعض حسابات الداخلية فاستعان برئيس الوزراء إبراهيم محلب في ذلك ولم ينجح. 12- نادي القضاة يخضع في مراجعة حساباته للجهاز المركزي للمحاسبات طبقا للقانون 144 لسنة 1988، والظاهر من حرص الزند الشديد على اطلاع أي أحد على الميزانية أنها تخفي مخالفات جسيمة، وإلا لما أخفاها عن القضاة، ولعرضها على الجمعية العمومية للقضاة طبقا للائحة النادي، ولأطلع القاضي محمد السحيمي عليها عندما طلب ذلك ولكنه تهجم وتطاول عليه، إضافة إلى أنه أجرى تعديلاً سريًا للائحة النادي أورد فيها أن حسابات النادي لا تخضع لرقابة أحد حتى الجهاز المركزي للمحاسبات، بما يؤكد خوفه من مراجعة الميزانية مستقبلاً، ومن هنا بدأ الزند هجومه على المستشار جنينة ومحاولة التشهير به والادعاء عليه ادعاءات كاذبة والدعوة لإقصائه وتوعده بذلك. 13- بعدما تولى الوزارة بأسابيع قليلة استصدر قانونًا يقضي بجواز إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية، وقد أدرك الرأي العام أن القانون قد أعدّ للخلاص من المستشار جنينة، وفورًا خرجت "نسانيس الإعلام" مطالبين بإقصاء جنينة، وتطبيق القانون، ولكن لأن إصدار القانون قد وقع في خطأ دستوري فلم يشأ النظام أن يستخدم قانونا غير دستوري. 14- في اليوم السابق على إيداع اللجنة تقريرها خرج خالد صلاح ليبشر المستشار جنينة بالتحقيق أو المحاكمة لأن هناك علامات استفهام كبيرة ستدور حول المستشار جنينة. 15- ثم بدأت أذرع الفساد تعمل وتتوعد جنينة بالإحالة للنيابة العامة والعزل، والمنع من السفر. 16- المستشار جنينة أعلن فور إعلان اللجنة بيانها أنه أرسل التقرير للجهات المعنية ولم يتلق ردًا عليها، فلماذا لم ترد الجهة التي قال البيان إنها أزالت المخالفة منذ عام 2015، وربما كان ذلك منذ أربعة عشر يومًا، هل كان ذلك كمينًا للمستشار جنينة، لو كان كذلك فهو كمين مفضوح تمامًا. 17- المقصود الأساسي هو إصدار بيان يهدئ من غضب الناس المتنامي من ضياع الحقوق والحريّات قبل ذكرى ثورة يناير. 18- اللجنة انتهت إلى أن الفساد بلغت قيمته نحو عشرة في المائة أي ستين مليارًا من الجنيهات، وبفرض صحة ذلك فإن أحدًا لم يلتفت إليه وكأنه ستين قرشًا، رغم أن الدولة تمد يدها لكل من هب ودب وكأنها تأخذ من صرّاف آلى. 18 - بيان اللجنة قد عاب على تقرير الجهاز أنه استخدم كلمة الفساد في غير موضعها، وفي ذات الوقت وقع فيما هو أنكى وأفدح، حيث راح يسوق عبارات التضليل والتجميع المفتعل، وفقدان المصداقية، وإساءة استخدام الأرقام والسياسات مما يظهر الإيجابيات بشكل سلبي، وجميعها عبارات وُصف بأنها عبارات أمنية كان يجب أن يتنزه عنها التقرير.