تثبت السطور التالية أن الفساد له أب وأم وجد وعائلة ترعاه رعاية الابن الأصغر المدلل في العائلة، ففي بداية الخمسينات من القرن الماضي وفي أعقاب ثورة يوليو 1952 صدر قرار ثوري جرئ من وزير المالية وضع أسس وضوابط لصرف مكافأة الإرشاد، ومكافأة الإرشاد هي مكافأة الدولة لكل مواطن يرشد عن تهرب من سداد حقوق الدولة سواء كانت ضرائب، جمارك، رسوم، الآثار، "المخدرات"... الخ أو يرشد عن أموال منهوبة عينية أو نقدية من حقوق المال العام. وحدد قرار الوزير مكافأة الإرشاد بواقع (10%) من القيمة أو المبالغ المرشد عنها (في حالة البلاغ بدون مستندات)، وحدد (15%) مكافأة إرشاد في حالة تقديم مستندات، ولك أن تتخيل أن هذا الحافز أو المكافأة كانت من الأسباب الرئيسية في كشف العديد من الجرائم التهرب سواء بالضرائب أو الجمارك.. الخ، فالمرشد كأن من المصادر الرئيسية للمعلومات التي ترد إلى إدارات المكافحة بأنواعها مما دعم وقوى مركز هذه الإدارات المتخصصة في اكتشاف هذه الجرائم. وعاشت مصر حوالي (50) عام في ظل تعاون بين أفراد الشعب وأفراد المكافحة والأمن العام في حماية حقوق المال العام وحقق ذلك للدولة القدرة على تحصيل مئات الملايين من حقوق الدولة التي كانت معرضة للنهب أو التهرب أو الضياع. إلى أن جاء مسئول متهم وهارب من أحكام صادرة ضده إلى خارج مصر هذا المسئول وحماية لرجال أعمال متهربين من سداد حقوق الدولة وبجرة قلم الغي مكافأة الإرشاد عن جرائم التهرب من سداد الضرائب والجمارك.. الخ. حيث صدر قانون الضرائب الجديد رقم (91 لسنة 2005) خالي من الإشارة إلى حق المرشد ومكافأته مما دعي جميع العاملين بمصلحة الضرائب بوزارة المالية إلى إيقاف صرف مكافأة الإرشاد ولأن قانون الضرائب العجيب ملئ بالتناقضات والنواقص فقد أوجب فرض الضريبة على مكافأة الإرشاد رغم إيقاف صرف المكافأة. وبذلك ينعم المتهربين من سداد حقوق الدولة، وتفقد إدارات المكافحة واحد من أهم مصدر للمعلومات والإرشاد مما يضعف دور إدارات المكافحة بأنواعها. حدث ذلك قبل أحداث ثورة يناير 2011 والغريب أنه وبعد الثورة وهروب هذا المسئول المتهم في قضايا لم يتحرك أي مسئول لرد حق الشعب لحماية حق المال العام المنهوب أو المتهرب من سداده... ورغم علم المسئولين علم اليقين من أهمية الإرشاد لإدارات المكافحة لم يتحرك أحد ويحرك ساكناً واستمر هذا المناخ من الحماية والرعاية والتشجيع للتهرب والنهب حيث تعمل آلة الفساد في هدوء وسكينة، واطمئنان ولا تخشي من يرشد عنها أو يبلغ عنها. السؤال الملح لأي مسئول... أن كان مسئول بحق بعد هذه الثورات.. وبعد الاضطرابات والخسائر التي أصابت البلاد والعباد وكان الفساد سبب وفاعل رئيسي.. من يحمي الفاسد.. من يخشي على الفساد من قوة الإرشاد والإفشاء. الأمر المعروض يمثل جريمة في حق الشعب والمال العام مستمرة وما زال الوضع قائم حتى كتابة هذه السطور. فقد تعرضت مصر قبل ثورة يناير 2011 للعديد من عمليات النهب للثروات والفساد المرتبط بضياع المال العام واستغلال النفوذ. ثم جاءت الأحداث بعد 2011 لتشهد البلاد موجة أخرى أشد من جرائم التعدي على المال العام وجرائم غسيل الأموال وتدفقت المليارات من الأموال المرتبطة بالعمل السياسي لتنفيذ سياسات معادية لأمن واستقرار الوطن، ولن تستطيع أجهزة الأمن أن تعمل بمفردها لمواجهة الهجمة الشرسة من المفسدين والمتلاعبين بحقوق الشعب. ماذا لو أننا نشجع وتحفز كل فرد أن يرشد عن هذه الجرائم، بالضرورة كانت خزينة الدولة ستمتلئ بتحصيل الحقوق المهدرة في وقت تحتاج حزينة الدولة لكل مصدر من أموالها واسترداد حقوقها المسلوبة من أسرع وقت. يا سيادة رئيس الوزراء ويا سيادة وزير المالية: يا من جئتوا إلى حكم مصر بعد ثورة الشعب في (30/6) أفعلوا كل شيء ممكن لحماية المال العام، هذا حق الفقير والمعدم فلا تفرطوا فيه.. ألغوا بجرة قلم كل القرارات والقوانين الفاسدة التي كانت تحمي الفساد والفاسدين. أصدروا قرارتكم الجريئة لحماية حقوق الشعب كما فعلها وزير مصر المحترم في بداية الخمسينات من القرن الماضي. ولن تجدوا وقت أفضل مما نحن فيه لمحاربة الفساد ورد الحقوق للوطن وأبناؤه. أصدروا قراراتكم من أجل حماية المال العام ولا أصدق أن الأمر يحتاج أن نخاطب رئيس الجمهورية. إذا علم الفاسد أن هناك من سيرشد ويدلى بيانات ومعلومات عن هذا الفساد قد يروع هذا الكثير من الفاسدين ونقدم خدمة جليلة للوكن ونقف بحق بجوار أجهزة الأمن والدفاع.