سرد الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أبرز ما حواه عام 2015، موضحًا أن العام لم يسجل سوى تراجعات مؤلمة فى ملف السلم الأهلى والإدارة السلمية للعلاقات بين الأعراق والطوائف والمذاهب والملل الكثيرة التى تحضر بمجتمعات العرب. وكان نص مقال "حمزاوى"، فى صحيفة "الشروق"، بعنوان "حصاد 2015.. الغياب الخطير للسلم الأهلى": مشهد بائس هذا الذي يطالع مجتمعات العرب فى بدايات 2016. فى ملف السلم الأهلى والإدارة السلمية للعلاقات بين الأعراق والطوائف والمذاهب والملل الكثيرة التى تحضر بمجتمعات العرب، لم يسجل العام المنصرم 2015 غير تراجعات مؤلمة. شيعة العراق فى صراع مفتوح وعنيف مع سنتها تتورط به أجهزة الدولة طائفية الهوى ومجموعات عنف مسلح، بينما عصابة داعش ترتكب جرائم القتل والتهجير وجرائم وانتهاكات أخرى ضد الإنسانية بحق الطوائف المسيحية والإيزيديين. فى سوريا، لم تتوقف حرب الإبادة التى يشنها القاتل الأسد على شعبه مستثنيا من «براميله المتفجرة» فقط طائفته العلوية والطوائف المسيحية المتحالفة معه. أما مقاومو الديكتاتور فيتنوعون بين حملة سلاح مجرمين لا يتورعون عن استهداف المدنيين ويوجهون عنفهم إلى «طوائف الأسد»، كما إلى ميليشياته العسكرية والأمنية والاستخباراتية، وبين حملة سلاح مجرمين أيضا يتبعون داعش ويمارسون عنفا منظما ضد الطوائف التى تعترض مسار سيطرتهم على بعض المناطق السورية. فى لبنان، ينتج تصاعد التوترات الطائفية بيئة سياسية عاجزة عن شغل الفراغ الدستورى فى رئاسة الجمهورية، وعن إيقاف انهيار فاعلية المؤسسات العامة وأجهزة الدولة. وينتج أيضا بيئات مجتمعية قابلة للعنف وحاضنة للتبرير الفاسد للإرهاب، على نحو الذى عبر عن نفسه بوحشية فى تفجيرات ضاحية بيروت الجنوبية وفى الصراعات المسلحة فى شمال لبنان التى تواترت طوال 2015. ويعمق من الأزمة اللبنانية تورط حزب الله فى حرب الإبادة التى يشنها الديكتاتور السورى على شعبه، وكذلك توظيف بعض الأطراف الإقليمية والقوى الكبرى لنفوذها بين الطوائف المسيحية والسنية والشيعية لدفعها باتجاه صراعات بالوكالة. ●●● فى البحرين، تتواصل السياسات القمعية والإقصائية التى تعانى منها الأغلبية المنتمية للمذهب الشيعى بين المواطنات والمواطنين.. منذ استخدمت الجيوش وعتادها العسكرى فى تصفية الحركة الديمقراطية فى 2011، وملك البحرين ونخبة حكمه السنية يرون فى المطالب الشعبية بإقرار حقوق الإنسان والحريات واحترام سيادة القانون ورفع المظالم وجبر الضرر عن الضحايا – من الشيخ على سلمان إلى الدكتور عبدالجليل السنكيس، خروجا على المصلحة الوطنية يبيح تمكين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من تعقب المعارضين السلميين، وتهديدا لأمن البلاد يستدعى إنزال العقاب بالمتعاطفين مع الآراء المعارضة.. والحصيلة، كما تدلل عليها وقائع 2015، هى حياة سياسية معطلة وبيئة مجتمعية معرضة للانفجار بسبب الصراع الطائفى. أما فى مجتمعات الخليج الأخرى، فتشترك نظم الحكم فى رفضها القاطع لإصلاحات ديمقراطية حقيقية وفى تمسكها باحتكار السلطة والثروة، وأيضا فى تطبيقها لسياسات إقصائية تجاه بعض المجموعات السكانية التى تارة تعرف هويتها على أسس عرقية ومذهبية وتارة أخرى تشكل القناعات السياسية خيطها الناظم.. فبينما يعانى البدون (من لا هوية وطنية لهم) من عدم التجنيس ومن غياب إقرار حقوقهم الأساسية فى الكويت، تتعقب السلطات السعودية المواطنين الشيعة ممن يعبرون عن قناعات ومواقف ناقدة للسياسات الرسمية.. أما فى دولة الإمارات العربية المتحدة، فتتركز الإجراءات القمعية على المعارضين السياسيين الذين يزج بهم إلى السجون بعد «عمليات تقاضى» لا يعرف الرأى العام عنها الكثير.. والحصيلة هنا أيضا هى بيئات مجتمعية خائفة، وحاضنة للعنف وللصراع الطائفى. ●●● كذلك تظهر وقائع العام المنصرم تكالب العديد من خطوط وجبهات الصراع الأهلى على اليمن، وتحولها إلى حرب عبثية تتورط بها قوى إقليمية تتنافس على النفوذ فى مجتمعات العرب والشرق الأوسط ولا تعنيها خرائط الدماء ولا مشاهد الدمار التى تحدثها.. ما أن انهارت العملية السياسية التى بدأت فى أعقاب الانتفاضة الديمقراطية فى 2011 وانفجر الصراع بين الحوثيين المدعومين من إيران وبين مجموعات قبلية وحزبية مدعومة من السعودية وحلفائها فى الخليج، حتى فرضت السياسات الإيرانية والسعودية على اليمنيين القراءة المذهبية لصراع هو فى التحليل الأخير ليس إلا صراع على السلطة والثروة، وعلى إفشال الانتفاضة الديمقراطية التى أرادت التأسيس لجمهورية ديمقراطية حديثة عمادها سيادة القانون وتداول السلطة ومواطنة الحقوق المتساوية.. الشيعة من الحوثيين الذين تدعمهم إيران فى مواجهة المجموعات القبلية والحزبية السنية المدعومة من السعودية، استحالت هذه القراءة الوحيدة للصراع فى اليمن الذى جعل منه التدخل العسكرى السعودى حربا مأساوية حصدت فى 2015 أرواح الآلاف من المواطنات والمواطنين اليمنيين وألحقت دمارا مروعا بالبنى التحتية لشعب فقير، وأبدا لن تنتج لا داخليا ولا إقليميا منتصرين واضحين أو مهزومين مسحوقين. وما يسجل بشأن اليمن من تكالب العديد من خطوط وجبهات الصراع الأهلى، يحضر بوضوح فى الحالتين السودانية والليبية – وهذا بمعزل عن وضعية الصراع الدائم والتفتت المستمر للمجتمع وللدولة فى الصومال.. خلال العام المنصرم، لم تتوقف العمليات العسكرية للحكومة السودانية ضد مواطنيها فى دارفور وجبال النوبة وكردفان.. والتبرير الرسمى الفاسد هو القضاء على الحركات الانفصالية.. بينما الحقيقة هى النزوع السلطوى لحاكم وحكومة اعتادا ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاك الحقوق والحريات لكى يخضعا المجتمع والمواطن لسطوتهما، ويستأسدان دوما على المجموعات العرقية المهمشة والضعيفة.. أما ليبيا، وإن كانت نهاية 2015 قد أظهرت بصيصا من الأمل لجهة توافق المتصارعين الكثر على عملية سياسية تعددية وعلى إجراءات لبناء مؤسسات الدولة الوطنية، إلا أن حروب الكل ضد الكل العبثية مازالت تجرى على أرض مجتمع أرهقه العنف وتتداخل بها صراعات الهويات العرقية والقبلية والمناطقية القاتلة بين شرق وغرب وبين مدن ساحل وجهات داخل. ●●●
بحسابات وقائع وحقائق 2015، لم تعد مصر بعيدة عن التداعيات الخطيرة لغياب السلم الأهلى. فالكنيسة الوطنية تورط أغلبية المواطنات والمواطنين الأقباط فى انحياز لحكم غير ديمقراطى يظل، نظرا للعصف بسيادة القانون وإهدار ضمانات لحقوق وحريات المواطن، عاجزا عن اعتماد مفهوم عصرى لمواطنة ترفض التمييز بين المصرى المسلم والمصرى المسيحى وتقبل المساواة بينهما ومساواتهما بمجموعات مواطنين أصغر عددا كالمصريين الشيعة والبهائيين. والإجراءات ضد أنصار جماعة الأخوان، أمات السياسة القادرة على إيجاد حلول توافقية وسلمية لصراعات المختلفين وصنع بيئة مجتمعية تتراكم بها المظالم والانتهاكات وترتفع بها القابلية للعنف الأهلى، وبعض هذا الأخير يتجه فى طائفية مقيتة إلى مؤيدى السلطة. ثم تحدث الدوائر اللعينة للإجرام الإرهابى والعنف الرسمى المزيد من التوترات الأهلية، وهذه لم تعد سياقاتها قاصرة جغرافيا على سيناء فى شرق البلاد. هى لحظة تهديد وجودى حقيقى تلك التى تمر بها مجتمعاتنا اليوم.