لماذا يجب أن أوافق الثوار أو المجلس العسكري في كل شئ ؟ هل لا يمكن أن أكون مختلف مع الاثنين في وقت واحد؟ لماذا إذا رفضت مساندة الثوار في رأي ما فأنا منافق يناصر العسكر في كل افعالهم ؟ وإن رفضت قرار ما للمجلس العسكري.. فأنا محرض يسعي للوقيعة بين الجيش والشعب ؟ لقد صار البعض يعشق التقسيمات و ينتهج سياسة التصنيف للناس.. فإذا اختلفت مع تصريح لأحد قادة التيار الاسلامي فأنت ليبرالي يسوءه نجاح الاسلاميين المبهر في الانتخابات .. وإن هاجمت أحد اصحاب الفكر الليبرالي في مصر فأنت إسلامي يريد السيطرة علي عقل الناس بإسم الدين .. هل من الصعب أن أختلف مع هذا الشخص او التيار في موقف ما .. وأتفق معه في موقف آخر وفقا لأيدلوجيتي وتوجهي الفكري؟ الحقيقة أن نظرات التخوين والتشكك التي تلاحق الإنسان في كل مكان باتت صعبة فعلا .. وهذا الأمر ظهر جليا في الأحداث الاخيرة.. كلما قلت أنك لا تؤيد الثوار في الإعتصام الفلاني تجد من يباغتك فوار " بعت الثورة بكام ؟" ..أو من يسألك ساخرا " هو المجلس بيدفع كويس أوي كدة " .. وكأنك تذهب كل يوم صباحا الي مقر وزارة الدفاع لتتلقي ثمن اختلافك مع بعض الثوار.. وكأنك إن لم توافق الثوار علي كل ما يفعلوه فهذا يعني - بما لا يدع مجالا للشك - أنك تناصر المجلس في كل ما يفعل.. الإشكالية في مصر الآن أن هناك قطاع كبير من المصريين يعتقد أن المجلس العسكري ينوي تسليم السلطة في الموعد المحدد , وقطاع آخر يعتقد أن المجلس لن يسلم السلطة .. و أعتقد أنني أنتمي للقطاع الأول .. فمنظر الانتخابات البرلمانية الرائع أثبت أن المجلس لديه نية صادقة في تحول مصر ديمقراطيا .. وبالتالي أنتظر تنفيذ ما ورد في الإعلان الدستوري الذي وافق عليه الشعب.. هناك أكثر من شاهد يؤكد أن السلطة ستسلم رغم معظم المناوشات التي تحدث من حين الي آخر .. أما أن تأتي أنت بعد كل هذه التطمينات والشواهد الجيدة .. وتصر علي أن السلطة لن تسلم . فأنت في هذه الحالة تمارس نوع خاص جدا من الفقه الافتراضي , بحيث أنك تفترض مسائل لم تحدث , وتضع لها حلولا .. بل وتنفذ تلك الحلول أيضا رغم خطورتها ! ولو نظرنا للطرف الاخر الذي يري أن المجلس لن يسلم السلطة ستجد أن هناك من لا يعترف بنتيجة الانتخابات لانها لم تأت بمن يشجعهم .. وهناك يرفض تلك الانتخابات لانها "تحت حكم العسكر" علي حد وصفه .. ومنهم من يريد مجلس رئاسي يحكم مصر في الفترة الانتقالية .. والحقيقة أن الخيار الأخير سوف يكرس فكرة الانقسام في مصر .. فهناك من سيطالب بتعيين البرادعي وصباحي لقيادة هذا المجلس .. وهناك من سيطالب بأبو الفتوح وابو اسماعيل .. والثالث يطالب بعمرو موسي و حسام عيسي .. وحينما نتوافق علي اسم معين .. سيخرج علينا من يطالب بتوفيق عكاشة رئيسا للمجلس الرئاسي وسبايدر نائبا له .. فالحل الوحيد ان يظل المجلس العسكري حتي يونيو القادم لحين انتخاب رئيس جديد .. المشكلة الاخري أن أي صدام مع المجلس العسكري سيؤدي لنتائج كارثية .. لقد روجوا لنا في وسائل الإعلام ان المجلس العسكري يختلف عن الجيش .. وأن من حق كل شخص أن ينتقد المجلس لأنه يؤدي دور سياسي .. وهذا علي المستوي النظري قد يكون صحيحا .. أما علي المستوي العملي فالأمر يختلف , لأنه إذا حدثت وقيعة - لا قدر الله - بين المجلس وجموع الشعب فإنك - مع احترامي - لن تجد المشير طنطاوي يمسك بأدوات فض الشغب وينزل لمواجهة الجماهير الغاضبة بنفسه , بل من سيواجهك هو أخيك الذي قد يكون مجندا في الجيش في هذا الوقت .. ولماذا نذهب بعيدا ؟ .. أنظر لأردوغان عندما تولي السلطة .. كان الوضع هناك سيئا جدا .. الجيش التركي يسيطر علي مقاليد الأمور .. ولو كان أردوغان رجل صدامي يهوي المواجهة لما تمكن من البقاء في الحكومة أكثر من بضعة أشهر .. ولكن الرجل كان سياسيا وتعامل بهدوء حكمة حتي عبر بتركيا من أزمتها السياسية التي استمرت طويلا ..لذلك يا سيدي ليس كل من يختلف مع طريقتك لحل مشاكل مصر عميل وخائن .. بل هو علي الأرجح نظر للأمر بطريقة أخري .. أما أنت فتصر علي نظرتك الاحادية التي تقودك دوما لنفس الرأي .. دعونا ننبذ ثقافة "المقطوعية" .. فليس كل من أتفق مع المجلس العسكري فاز بمقطوعية الدفاع عن المجلس .. وليس كل ما دافع عن الثوار فاز بمقطوعية الدفاع عن الثوار .. الحق أحق أن يتبع ..