حذرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية من الدعوات الغربية المتصاعدة لشن حرب واسعة ضد تنظيم الدولة "داعش" في سوريا, وقالت إنها لا تكترث بالمدنيين السوريين, الذين تم تعذيبهم وقتلهم على مدى خمس سنوات, على يد نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه. وأضافت الصحيفة في مقال لها في 30 نوفمبر أن أي عمل عسكري جديد بالشرق الأوسط سيزيد الأمور سوءا للغرب والشرق معا, وسيعطى الفرصة للمتطرفين لتجنيد المزيد من الشباب الناقم على سياسات الغرب في العالم الإسلامي. وتابعت " التنظيم يستغل فكرة الحرب الصليبية, والحكومات الغربية تساعده في هذا الصدد, لأنها ابتعدت عن المنطق تماما وركزت فقط على الثأر الأعمى بعد هجمات باريس". وانتقدت الصحيفة بشدة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والمقربين منه الداعين إلى الحرب، واتهمتهم بأنهم لا يكترثون للمدنيين السوريين، وكل ما يسعون إليه هو استعراض العضلات والرد على عنف لا يستطيعون السيطرة عليه, بالمزيد من العنف. وكان المفكر الفرنسي جان دانيال حمل التدخلات العسكرية الغربية في العالم العربي مسئولية انتشار الإرهاب والتطرف, منتقدا الأصوات المتصاعدة في الغرب, التي تربط أفعال تنظيم الدولة " داعش", بالدين الإسلامي, وهو أمر غير صحيح. وأضاف دانيال في مقال نشرته له صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية في 29 نوفمبر أن هناك عدة أمور تقف وراء انتشار الإرهاب, مشيرا إلى أن "بعض الشبان الذين شاركوا في هجمات باريس , دفعتهم النقمة, بسبب الإقصاء والحرمان, الذي تعرضوا له في فرنسا وأوروبا". وتابع " التهميش الاجتماعي لا ينطبق على منفذي هجمات 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة, الذين لم تتوفر فيهم هذه الدوافع الاجتماعية، بل كانوا فقط يبحثون عن الآخرة، ويؤمنون بأن ما يفعلونه سيوصلهم إلى الجنة". واستطرد " هناك أيضا الماضي الاستعماري الفرنسي, حيث شن نابليون حملة عسكرية على مصر، كما فرضت أيضا تقسيم سوريا والعراق خلال اتفاقات سايكس بيكو التي وقعت في 1916، وهو تقسيم قسري لا تزال المنطقة تدفع ثمنه إلى حد الآن". وأضاف دانيال " الماضي الاستعماري خلف شعورا بالمرارة في المستعمرات السابقة, لا يزال قائما إلى حد الآن، كما أن حالة الانهزام والأزمة التي تعيشها بعض الدول المسلمة، تسببت في نشأة تيار جديد انحرف نحو العنف والتطرف", مطالبا الغرب بالتوقف عن التدخلات العسكرية في العالم الإسلامي. وكان الكاتب والنائب الألماني السابق يورغن تودنهوفر حذر في وقت سابق من أن الغارات التي يشنها التحالف الدولي وروسيا على تنظيم الدولة "داعش", ستأتي بنتائج عكسية, عكس ما يرغب الجميع. وقال تودنهوفر في مقابلة مع "الجزيرة" من مدينة ميونخ الألمانية في 17 نوفمبر إن عدد "الإرهابيين" كان في العام 2001 يقدر بالمئات، بينما ازداد اليوم ليصبح بمئات الآلاف، وذلك بسبب الاستراتيجية الخاطئة، التي يتبعها الغرب. وأضاف " الحرب على الإرهاب والغارات في أفغانستان وليبيا سببت حالة من الفوضى, وزادت من نفوذ الإرهابيين، إذن فهي استراتيجية خاطئة وتعود بالشر على الغرب وعلى روسيا". واستطرد " تنظيم الدولة ليس جيشا نظاميا, بل يتكون من محاربين كالعصابات, تقسم إلى مجموعات، فلا يمكن مواجهته بالقصف الجوي". وتحدث تودنهوفر عن مفاجأة مفادها أنه عندما كان موجودا في مناطق سيطرة تنظيم الدولة، تمت مهاجمة التنظيم, بطائرة من دون طيار أمريكية، وأنه في ثوان, ابتعدت سيارات عناصر التنظيم, في اتجاهات مختلفة, واختفى جميع المقاتلين. وكان تودنهوفر قام في 2014 بجولة في أراضي تنظيم الدولة من الرقة السورية, حتى الموصل العراقية بترخيص من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وتودنهوفر هو مؤلف كتاب "عشرة أيام داخل الدولة الإسلامية"، وقد اشتغل قاضيا ونائبا برلمانيا, واشتهر بلقاءاته مع رئيس تشيلي الأسبق أوجستو بينوشيه والمقاتلين الأفغان والرئيس السوري بشار الأسد. وفي 16 نوفمبر, وجه تودنهوفر رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للشعب الألماني, قال فيها إن الحروب التي يخوضها الغرب ضد المسلمين هي سبب انتشار الإرهاب المتمثل ب"داعش" في أوروبا, وإن لا علاقة للإسلام بهذا الأمر. وأضاف تودنهوفر "ندين الفعل الإرهابي في فرنسا, ونتعاطف مع القتلى، فالإرهاب هو الإرهاب, أينما كان"، ولكنه استطرد :" الغرب قتل ملايين المسلمين ولم نر أي تعاطف من ساسة الغرب معهم, حروبنا التي قتلنا بها المسلمين هي سبب انتشار الإرهاب, ولا شأن للإسلام في ذلك". واعتبر تودينهوفر أن ألمانيا لا يجب أن تقلق من انتقال الأعمال الإرهابية لديها، فألمانيا ليست فرنسا، قائلا: "فرنسا لها تحركات عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط، كما أن ماضيها الاستعماري معروف، إلا أن ألمانيا سلكت طريقا مختلفا, ولا مبرر للقلق، كما أن الغالبية المطلقة من المسلمين في ألمانيا ينبذون الإرهاب والحركات الإرهابية مثل داعش". ومعروف أن تودنهوفر سبق أن هاجم حركة "بغيدا" العنصرية، والتي ظهرت في ألمانيا مؤخرا، وتنادي بطرد المهاجرين الأجانب، خاصة المسلمين، واتهمها بأنها تلعب اللعبة نفسها, التي يقوم بها "داعش".