قبول الاختلاف والتعبير عن الرأى بأسلوب متزن يراعى حدود اللياقة والأدب ينبغى أن يكون مكونًا أساسيًا من مكونات العقل المصرى. مناسبة هذا مقال بعنوان: " أخلاق العبيد" كتبه عبد الرحمن يوسف فى "اليوم السابع" قال فيه: إن الكلمة التى ألقاها شيخ أزهرى فى تأبين الراحل عماد عفت لا توصف بالرجولة ولا بالأنوثة بل بالخنثى، وأخلاقه أخلاق عبيد، ونحتاج إلى ثورة عليه"، وقد رددت عليه بمقال فى "اليوم السابع"، وهنا أضيف كلامًا آخر، ولمن لا يعرف فإن الشيخ الأزهرى ألقى كلمة فى رحاب الأزهر تناول فيها تاريخ الراحل وجهاده ومنهجه والخسارة الكبرى التى منيت بها الأمة لفقده، لكنه قال فى نهايتها "ونحن لا نعرف القاتل ولابد.." لم يكمل كلامه، فسحب منه عبد الرحمن يوسف رجولته وجلده فى مقالته. هذا الأسلوب فى التعدى على الآخرين خاصة العلماء والتسرع فى الحكم عليهم بمجرد ذلة هو مسلك خساف متهوك، وتفاصح بجهالات السب على حملة العلم، ورثوا ما لم يرث، وثاروا بما لم يثر، وهذا النوع من الألفاظ أيها الشاعر لا يرقى إلى أدب الحطيئة ودعبل، وبالمناسبة فإن د. زويل فى حوار مع مجدى الجلاد طالب المتواجدين فى الميدان بأن "يهدوا شوية" فكتب عبد الرحمن مقالاً آخر يصف فيه من يقولون " اهدوا شوية " بأنهم "سفهاء"! فات عبد الرحمن أن هذا الشيخ ( ولن أذكر اسمه بناء على رغبته )عالم فقيه أصولى معتدل، يعد من أفضل الأئمة الذين أنجبتهم وزارة الأوقاف، والملقب ب "الإمام الثائر" و"الكشك الثانى"، لأن صدع بكلمة الحق فى وجه الظلمة والمستبدين، حتى إن كثيرًا من الناس كالمدعى العام الاشتراكى كان يقف له إجلالا واحتراما لجرأته مع علمه وخلقه. العالم الذى سبه عبد الرحمن فأفحش القول هو الذى كان يجاهد بكلمة حق فى وجه النظام الفاسد بكل قوة ولا يدرى مصيره، يوم أن كان جهاد عبد الرحمن يوسف قصائد شعرية تلقى أمام الإعلام نهارا ثم يبيت فى أفخم الفنادق مساء. هذا الداعية هو الذى وقف أمام جبروت فتحى سرور شامخًا أبيًا قويًا وأوذى ظلمًا وبهتانًا دفاعًا عن مصر يوم أن كان المقربون من عبد الرحمن يوسف يركبون السيارات الفارهة فى أمريكا. العالم الذى وصفه عبد الرحمن بأقذع الألفاظ هو الذى وقف شامخًا أمام نجلى اثنين من كبار القوم يتحدث عن الظلم يوم أن وقف عبد الرحمن وأقرب الناس إلى عبد الرحمن ساكتين عن شراء ملوك عرب لقصور فارهة فى إسرائيل. هذا الداعية هو الذى أبى أموال المنافقين والمتاجرين بالبلد يوم أن كان صديقك الشيخ يدخل ماسبيرو بتوصيات علاء مبارك ويتكلم باسمه، ثم تعدون كلام هذا الشيخ شجاعة، وتعدون كلام هذا الشيخ تخنيثا وعبودية. ثم إن ما قاله العالم الأزهرى كرره زويل وفهمى هويدى وغيرهما، ربما الفرق أن كلامهم جاء فى معرض التحليل، وكلام العالم الأزهرى جاء فى معرض الثورية قبل صلاة الجنازة على شهيد الأزهر فاختلف الأثر ورد الفعل. إن هناك من يرى أنه لم تكن ثمة "قضية" لدى المعتصمين إلا احتجاج على اختيار الجنزورى، ولما تحول الاحتجاج إلى مواجهات ألقى الإعلام "طوق النجاة" للمعتصمين، فبعد أن كان الاحتجاج بلا مطالب جوهرية فإن تكلفته الباهظة لم تكن مقنعة، فظهر فجأة مطلب جديد مفاداه إجراء انتخابات مبكرة على مقعد الرئاسة، وانتقل هذا المطلب من على "الهواء مباشرة" إلى المتظاهرين فى الميدان. وعين التطرف أن يأتى عبد الرحمن يوسف ليصف المعارضين للتحرير بأقذع الألفاظ وأفشحها، ويأتى أخ له من قبل يدعى محمد عبد الملك الزغبى ليصف "شهداء" الأحداث الأخيرة بأنهم "مجرمون مجرمون مجرمون " . على أن عالمنا الأزهرى لم ينطق بما يعارض الميدان الذى ينتمى إليه عبد الرحمن، فقط لم يزد عن قوله " لا أعرف قاتل الشيخ عماد تحديدا"!! مشكلة عبد الرحمن وأخ له من قبل أنه يعتقد أن الثورية فى الميدان والوعظ تعنى الثورية فى الكتابة والأحكام، لكن الكتابة تحتاج بحثًا وتأملا، كما أنه وأخ له من قبل يخلط الجرح والتعديل بالشتم والقذف والسب، ومع ثقتى فى إخلاص شاعرنا ووطنيته، لكن إذا استشهد العالم الربانى عماد عفت، ومات الباحث المتمكن حسام تمام والمؤرخ عبد الحليم عويس، وانتقصنا قدر علماء الأزهر الشريف، وسفهنا أحمد زويل، وانقلبنا على طارق البشرى.. فمن يبقى لمصر؟! [email protected]