تعرضت مصر بل تعرض العالم الإسلامى بأجمعه لفاجعة كبرى هى استشهاد علم من أعلام الأزهر برصاص غادر فى شارع قصر العينى، مساء الجمعة الماضى، إنه العلامة الأصولى اللغوى الفقيه الثائر الشيخ عماد عفت، كنت فى ندوة بمدينة نصر فوصل خبر استشهاده عن طريق رسالة من صديقنا وتلميذه الكاتب السياسى إبراهيم الهضيبى وقرأها الحضور فلم يصدقوا، وأخذ كل واحد يؤكد الخبر بطريقته الخاصة، ما عدا صديقنا الناشط السياسى أنس السلطان فلم يعد فى حاجة لتأكيد الخبر، لأنه حكى لنا قبل استشهاده بقليل أنه رأى نفسه يحضن الشيخ عماد، ورسول الله يبشره بأن عماد فى جواره، ويقول له ابك شوقا لرسول الله.. نعم حكاها أنس قبل وفاة الشيخ بساعات قليلة. الشهيد هو بحق عالم الثورة وفخرها وشهيدها، فهو الثائر الحق الذى قصده الشيخ الشعراوى بكلمته، ثار ثم رجع ليبنى الأمجاد، لم يتخلف يومًا عن المرابطة فى ميدان التحرير، وفى نفس الوقت لم يتأخر دقيقة عن عمله بدار الإفتاء، ثم تدريس العلم لتلاميذه بالأزهر، فثار وبنى الأمجاد فى وقت واحد. دخل عدد كثير من الدعاة والمشايخ ميدان التحرير منذ الثورة يتصدرون المشهد، لكننى أزعم أن الثائر الحق شهيد الأزهر قرأ من كتب العلم أكثر من عدد شعر رأس هؤلاء الدعاة، لا يستثنى من ذلك إلا الشيخ القرضاوي. لقد عالج الثائر الحق والعالم الجليل قضايا خطيرة كقضية وضع البويضة المخصبة فى رحم الزوجة بعد وفاة الزوج، وميراث من اعتنق البهائية، وتغير الربح فى التمويل العقارى، ونكاح منكوحة الأب غير المدخول بها، وإسقاط الأجنة، وهى المسائل التى لا ينزل فيها إلا الكبار مثله، يوم عجز الصغار عن الكلام فيها فأغرقوا شبابنا بالشكليات. لم يصعد الثائر الحق منصة، ولم يجلس فى برنامج تليفزيونى، ولم يملأ الدنيا بالتصاريح والحوارات الصحفية كغيره من دعاة الثورة، الذين تحدثوا من على المنصات، وأمام الكاميرات ثم انصرفوا لأيديولوجياتهم، وجلس عالمنا يشارك الشباب فى جمع القمامة من الميدان بعد انصراف الدعاة، إنه العبقرى الذى أعطى فى صمت جميل، عازفا عن الشهرة والذيوع.. فأصبح إعطاء هؤلاء حقهم، وإنزالهم منزلتهم أقرب إلى الفريضة الأخلاقية. فقيدناعالم الثورة أصدر ما يقرب من عشرين ألف فتوى ليس فيها فتوى تدعو إلى تكفير ولا تشدد ولا إهانة ولا فتنة ولا تسرع، ولم يدع لحزب ولا تيار ولا اتجاه بل لا يرى فى الثورة إلا مصر، مصر الإسلام والحضارة والمحبة والتوافق. دماء زكية سالت من شباب مصر.. دماء عماد وغيره.. لن يعوضها إلا القصاص العادل من القتلة والمجرمين. وليس أقل من أن يكون تكريم شهيد الأزهر لائقا به وبمكانته وبدمائه الزكية، فأناشد كبار المسئولين فى الإفتاء والأزهر أن يقيموا تأبينا لائقا بالشهيد، وأن يسمى أحد أروقة الأزهر باسمه، تللك الأروقة التى ظل الشيخ يدرس فيها للطلاب وفق المنهج الأزهرى المنضبط حتى لقى الله. والدعوة لشركة الوابل الصيب أن تقدم للناس شروح العالم الشهيد لكتب الفقه واللغة والأصول حتى ينتفع بها الجميع. [email protected]