د/زكريا سليمان بيومي ينصب مفهوم الشورى عند أغلب الكتاب حول حرية الفرد أو الجماعة في المشاورة وإبداء الرأي وتحديد السلطة السياسية أو شكل النظام السياسي وكيفية اختيار ومحاسبة صناع القرار . ويمكن أن يكون اقتصار مفهوم الشورى عند هذا الحد مفهوما قاصرا أو محدودا بحكم أن السياسة من قبل صناع قرارها أو فحواها نتيجة عديد من العوامل والتفاعلات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية . وبمعنى آخر فإنها نتيجة لبناء الفرد وتحديد توجهاته من خلال الأسرة والمجتمع , ولذلك فإن الشورى أو المحاورة والقدرة عليها والنضج الواجب في إبداء الرأي علي أساسها مسألة تتصل ببناء الفرد منذ البداية من خلال تحديد هويته واعتقاداته واتجاهاته والمبادئ التي يلتزم بها , أي مجموعة القيم والأنماط التي تسهم في بناء الفرد والمجتمع . والذي يطالع أبعاد الشورى في المصدر الأساسي للإسلام وهو القرآن الكريم يجد أن العناية بحرية المسلم بدءا من الإيمان تعني التدريب علي الحرية ,وبالتالي فإن الشورى بمفهومها السياسي تأتي نتيجة للجانب الإيماني المبني علي الحرية المطلقة . أي أن البعد السياسي المبني علي الحرية والتحاور والمشاورة في المنهج الإسلامي هي جزء من مجموعة قيم ومبادئ تبني علي الحرية وتسعي لتحقيق العدل لكونها مستمدة من مصدر ثابت يحكم كافة المتغيرات في الزمان والمكان وليست مستمدة من مصادر مادية تتغير بتغير المصالح المادية فقط كما هو في النظام الرأسمالي أو النظريات الاشتراكية . ومن هذا البعد كان نزول آيتين من آيات القرآن الكريم الثلاثة التي تخص الشورى في الفترة المكية , أي قبل الشروع في تأسيس الدولة الإسلامية , فأشارت أولاها إلي النموذج البلقيسى الذي لا يشكل معيار يقاس عليه , والثانية كانت في سورة كاملة باسم سورة الشورى امتلأت بأبعاد الحرية في الإيمان القائم علي التفكير والتدبر والمشاورة , ولعل هذا يؤكد أن الشورى في المنهج الإسلامي يعد منهجا تربويا أساسيا . أما الآية الثالثة للشورى التي تخص البعد السياسي بشكل مباشر فنزلت في المدينةالمنورة , أي مع تأسيس البناء السياسي الإسلامي الأول , فكانت لها دلالاتها علي إرساء معالم هذا المكون السياسي الهام وهو ما يفهم من قول الله تعالي " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله " . والأمر في هذه الآية لا يقف عند حد الجانب الروحي للدعوة وإلا لما احتاج الأمر لدعوة الله للنبي ألا يكون فظا غليظ القلب وإلي العفو عن صحبه فهذه دعوة تزيد عن دوره كمبلغ لوحي أو رسالة , كما أن الأمر لو كان يخص الرسالة وحدها لما احتاج إلي مشاورتهم وهو يأتيه الوحي , لكنه يؤكد أن الشورى أطيب للنفس لدي القوم من ناحية وأن تكون سنة ملزمة ومتبعة للمسلمين من بعده من ناحية أخري . وجاءت السنة النبوية لتترجم ضرورة الشورى في حياة النبي صلي الله عليه وسلم بشكل عملي , فقد تشاور النبي مع أصحابه في اختيار المواقع العسكرية بدءا بغزوة بدر فأخذ برأي الحباب بن المنذر , وبرأي سلمان الفارسي في حفر الخندق , وبرأي الجمع من الصحابة في الموقف من الأسرى , وشاور الرجال والنساء في مواضع متعددة . وإذا بدا من خلال رأي البعض أن الشورى غير ملزمة في المنهج الإسلامي فإن أغلب المسلمين يجمعون علي أنها ملزمة وإلا لما طرحت في القرآن الكريم , وإذا بدت في بعض قضايا التشريع غير ملزمة للنبي بحكم سنده بالوحي فإنها ملزمة لكل المسلمين حكاما ومحكومين وليست قاصرة في فرضيتها علي فرد أو جماعة بعينها . وسواء كان تشكيل مجالس الشورى , أو أي مسمي آخر , بالانتخاب أو الاختيار أو بهما معا وفق مقتضيات وظروف الشعوب فإن الاستناد إلي حرية الرأي وفي إطار الالتزام بمجموعة القيم والمبادئ الإسلامية هو الأسلوب الصحيح , وأن حدوث غير ذلك يفقد هذه المجالس صفتها الإسلامية مهما كان شعارها , كما أن نتاجها من رأي أو قرار لابد أن يكون ملزما وواجب التنفيذ . كما أن المفهوم الواسع والشامل للشورى وضرورتها يجعل من الديمقراطية بشكلها المطروح الآن مجرد آلية يمكن العمل بها لا بصورة مؤقتة بل بصورة دائمة باعتبارها حلقة من حلقات نظام الشورى الكامل , ولا يمنع الأخذ بالديمقراطية من وصف النظام المطبق لها بالنظام الإسلامي حتى ولو احتفظت ببعض آلياتها وأسلوبها الحركي علي ألا تكون نقلا ممسوخا في الشكل أو المحتوي للنموذج الغربي , وأن تكون ملتزمة بإطار القيم والآليات التي تعبر عن المنهج الإسلامي القائم علي عدم التعصب والمتيح لتعدد الآراء لا إملائها .