سقطت الطائرة الروسية يوم 31 أكتوبر الماضي فوق سيناء بعد 23 دقيقة فقط من إقلاعها من مطار شرم الشيخ، ويوم 17 نوفمبر الجاري أعلنت ومن أعلى مستوى أمني "الاستخبارات"، ومن أعلى مستوى سياسي" الرئيس بوتين"، أن الطائرة سقطت بعمل إرهابي بواسطة قنبلة، ليس هذا فقط بل حددت وزن القنبلة بأن زنتها كيلو جراما واحدا، ووصفتها بأنها بدائية الصنع، وتسربت أقاويل عن أنه تم زرعها في الطائرة عبر موظف في مطار شرم الشيخ، ووصلت روسيا الذروة بتحديد مكافأة قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات بشأن المسؤولين عن وضع القنبلة!. الروس تحدثوا يوم الثلاثاء الماضي بلغة الواثق من نتائج تحقيقاتهم، فهل في خلال 17 يوما فقط منذ سقطت الطائرة يمكن أن يتوصلوا لتلك النتائج القاطعة، ويرسموا سيناريو تفصيليا لما جرى في مطار شرم الشيخ، وكأن معهم فيديو مثلا لكل ما كان يجرى فيه؟. كيف يحدث ذلك، فأي حادث لطائرة، ولو كان بسيطا، ولو كان بعيدا عن أي عمل إرهابي أو تخريبي فإنه يحتاج وقتا طويلا للوصول إلى النتيجة النهائية، لا تحقيق في حادث سقوط طائرة توصل سريعا لما توصل إليه الروس، وهذا أمر مثير للدهشة والشكوك معا. توقفت في بيان الروس أمام نقطة تتعلق بأنهم خلال التحقيق عثروا على آثار متفجرات في حطام الطائرة، أين فحصوا الحطام؟، هل في مصر حيث من المفترض أنه متحفظ عليه من لجنة التحقيق الموسعة؟، أم أنهم أخذوا الحطام، أو جزء منه إلى موسكو؟، وكيف في الحالتين يعمل الروس بمفردهم ودون مشاركة بقية الخبراء في اللجنة الرسمية، ولن يكون مفهوما إذا كانوا قد حصلوا على حطام إلى روسيا لفحصه هناك. طائرة لوكيربي التي سقطت في عام 1981 لم تُغلق التحقيقات فيها حتى اليوم رغم أنه تم محاكمة ليبيين مشتبه فيهما، ودفعت ليبيا القذافي تعويضات ضخمة لأسر الضحايا، فمنذ أسابيع تم الاشتباه في ليبيين آخرين في الجريمة، 34 عاما وملف تلك الطائرة مفتوح لمعرفة من وضع القنبلة في الحقيبة، ومن فعل ذلك، فكيف يفتح الروس تحقيقهم وينهونه في 17 يوما فقط؟، هذا بافتراض أنهم بدأوا التحقيق الخاص بهم فور علمهم بسقوط الطائرة، ووصول خبرائهم لشرم الشيخ، وهذا غير منطقي لأنهم ظلوا أياما يرفضون احتمال العمل الإرهابي الذي تحدث عنه البريطانيون والأمريكان. هل الاستخلاص السريع للروس بأن طائرتهم سقطت بقنبلة كان مقصودا لدعم موقفهم السياسي والعسكري في القصف داخل سوريا لتنظيم داعش؟، وهو القصف الذي جلب عليهم انتقادات دولية واسعة، وأثار رأيا عاما عربيا وإسلاميا ليس في صالحهم لأن غاراتهم لا تقترب كثيرا من داعش، إنما تركز على قوى المعارضة المعتدلة، وعلى المدنيين، وعلى المستشفيات والمساجد والمخابز والبيوت. منذ 30 سبتمبر الماضي والروس يدكون السوريين بالقنابل ومع ذلك لم يتقدم الأسد عسكريا على الأرض، بل إن قوى المعارضة هى من تصد وتتقدم، كما أن داعش نجح في السيطرة على مزيد من الأرض والمواقع العسكرية ومخازن السلاح، وهو أكثر من استفاد من القصف لأنه أقل من تعرض للضربات الروسية، فهل كانت روسيا بحاجة إلى غطاء قوي يبرر لها شرعنة وتوسيع القصف واستخدام أشد ما لديها من أسلحة في ترسانتها وأن تسحب الغرب معها لتجعل التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب الذي تطالب بتشكيله في سوريا واقعا مفروضا وهو ما يحدث عمليا الآن حيث تقترب منها فرنسا بعد الإرهاب الذي تعرضت له مؤخرا، وينسق معها الأمريكان، وأوباما يشيد بتعاون بوتين، وكل الطرق تقود إلى نشوء عملي ودون مفاوضات أو شروط مسبقة لهذا التحالف تحت عنوان حرب داعش، لكن روسيا تواصل باطمئنان استهداف فصائل المعارضة، وتقوي دور الأسد، وتفرض بقاءه في السلطة، وهو ما يحدث اليوم حيث لا أحد يتحدث عنه ولا عن وجرائمه، ولا عن دعم روسيا له لإنقاذه، إنما الكل في الغرب لا حديث له إلا عن حرب داعش، وتنظيف سوريا والعراق من هذا التنظيم أولا. ربما كان ذلك هو الهدف من التحقيق الروسي الأسرع في تاريخ حوادث الطيران، والحسم بأن طائرتها سقطت بقنبلة، بينما لجنة التحقيق الموسعة والتي تضم خبراء من أكثر من بلد وجهة ومنهم الروس لم يتوصلوا لشيء بعد وهذا طبيعي ومنطقي ولا غرابة فيه. لا أفهم تسرع روسيا في إعلان سقوط طائرتها بقنبلة، فهل يكون ما كتبته هنا بأن الهدف أن يبصم العالم لها على مشروعية تدخلها العسكري في سوريا لتكون اللاعب الأول فيها، والقائد للحلف الدولي في هذا البلد، ومكرسة لوجودها ومثبتتة لأقدامها، وداعمة لحليفها الأسد، ومبقية عليه، ومتمددة في المنطقة ليكون لها هدف آخر بعيد، وهو التلويح بالتدخل في سيناء طمعا في مكاسب من مصر تحت ذريعة الانتقام من داعش الذي أسقط طائرتها؟. هناك لعبة كبيرة في المنطقة العربية المستباحة؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.