... هل هناك إعلام محايد؟يعني هل يمكن أن نصدق أن كل تلك الأموال التي أنفقت منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن كان بعضها لوجه الله تعالى؟وفي بدايات الألفية دخل علينا رئيس القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية( بي بي سي),ليشارك الاجتماع التحريري اليومي,و كانت الاستعدادات للغزو الأميركي للعراق على قدم وساق ,وكل الجهود والأفكار في الاجتماع من الطبيعي أن تصب في خانة تغطية الحدث المرتقب الخطير,و كانت المفاجأة هي طلب رئيس القسم العربي وقتها من الجميع التفكير في تقارير مختلفة وغير تقليدية عن منطقة الخليج,ثم أخرج بعض أفكاره التي خبأها كالسكين خلف ظهره,وقال:ما رأيكم في أكثر من تقرير عن الشذوذ في منطقة الخليج؟وما رأيكم في تقارير عن مشاعر الخوف المتشابهة في دول الخليج وإسرائيل من هجمات صاروخية محتملة لصدام حسين؟ تذكرت هذا الموقف وأنا أتابع ما يجري في ساحة الإعلام المصري هذه الأيام,لعلي أصل إلى إجابة عن سؤال أحد الأصدقاء:ما هو التلفزيون الذي أطمئن وأنا أشاهده وأصدق ما يقول؟فيا عزيزي كلها أقل حيادية من البي بي سي في عصرها الذهبي,وعلى الرغم مما قدمته في مقالي عن تجربة البي بي سي إلا أنها ستظل أقرب الوسائل الإعلامية العالمية لمبدأ الحيادية.و ليس هناك إعلام دون أجندة ,دون مواقف مسبقة,ليست هناك شاشة واحدة وحيدة تقدم لنا الحقيقة من كل الوجوه,وكي يكون الكلام عمليا.,دعونا نرجع لمتابعة الأحداث اليومية في مصر,ستجد التلفزيونات أقساما ثلاثا لا رابع لها,إما أنها تذيع ما تتصور هي أنه يرضي المجلس العسكري أو الحكومة,فتجد مثلا تركيزا على توضيح مشهد الجندي وهو يغطي الفتاة المعراة مع غض متعمد للنظر عن مشهد سحل الفتاة وركلها,ويعيدون في عرض الفيديو الكارثي الخاص بتعذيب أفراد فوق سطح مسجد عمر مكرم. وبمقابلها قنوات شيطانية و مملوكة لشياطين تعيد وتزيد في مشاهد السحل والقتل والضرب بما يوحي للنفوس أنه يجب الغضب في وجه المجلس والجيش,وتلك القنوات لا تجد فيها حسا ولا خبرا عن فيديو التعذيب بمسجد عمر مكرم. وبعيدا عن الفريقين مجموعة ثالثة من القنوات تحاول أن تمسك كل الخيوط ولا هم لها إلا الإثارة,لأنها بالإثارة تحيا وتعيش وتستمر وتتوغل كالحشرات اللادغة,وهذه تلعب على الجانبين وليس لها موقف إلا بقدر الإثارة,فهم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء,تعرفهم في لحن اقوالهم فيوما يبكون الضحايا من المعتصمين,ويما يبكون شتيمة ضباط الجيش.ويوما لا يجدون فيه مندبة ولا مغارات ولا مدخلا فنجدهم يخترعون حكايا لا محل لها من الإعراب في المشهد مثل مناقشة قضية الجزية أو جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما إجابة السؤال الأكثر أهمية:ماذا اشاهد من شاشات؟فسأقول لسياتك بسم الله الرحمن الرحيم الإجابة تونس. محمد موافي [email protected]