"مراوغة.. محايلة.. خبث.. دهاء.. تسويف.. مواجهة"، كل تلك الكلمات ومعانيها، استخدمتها إثيوبيا على مدار 4 أعوام، منذ أن بدأت فعليًا بناء سد النهضة، الذى ينتقص من حقوق مصر المائية، وحتى أصبحنا اليوم نواجه كارثة تنحدر علينا بسرعة مذهلة. مراوغة بدأت إثيوبيا فى عام 2011، وعقب ثورة يناير مباشرة، فى تشييد السد وبناء قواعده الأساسية.. اعترضت مصر، فنادتها أديس أبابا إلى طاولة المفاوضات، وكانت حينها تُراوغ جيداً وترسم وتُخطط وتعرف ما ستصل إليه المفاوضات فى النهاية. تحايل وفى عام 2012، أعلنت إثيوبيا أنها ماضية فى بناء السد دون الالتفات إلى الوراء، فكان الموقف المصرى حينها هو "التحايل" للوصول إلى صيغة مناسبة من التفاوض.. كان حينها الرئيس الأسبق محمد مرسي، على دراية بالأمر فعقد مؤتمراً علميًا جمع فيه متخصصين وسياسيين لدراسة الآثار السلبية للسد، وهو المؤتمر الذى سربت تفاصيله على الهواء مباشرة، وأظهر ضعف الموقف المصرى بشدة خبث تمادت إثيوبيا وأصرت على موقفها وتعاملت ب«خبث» زائد مستغلة الأحداث السياسية التى أعقبت عزل مرسى فى 2013، وأعلنت أنها انتهت من تأسيس البنية التحتية للسد وخصصت سعة تخزينية للسد "لم تُفصح عنها حينها"، ولكنها أكدت أن السد سيكون مصدر رخاء كبير لإثيوبيا وجيرانها. دهاء وبدهاء منقطع النظير، استدرجت أديس أبابا، وزير الرى السابق الدكتور محمد عبد المطلب، لاجتماعات مكثفة فى إثيوبيا حينًا وفى مصر حينًا آخر، إلى أن انتهت الاتفاقيات إلى تشكيل لجنة وطنية لدراسة سد النهضة وتأثيره على دولتى المصب مصر والسودان. خداع وفى عام 2014، ومع بداية تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي، أدركت إثيوبيا أن سبيلها نحو إكمال بناء السد هو "التسويف"، وبدأت فعلياً فى تنفيذ مخططتها، فاستدرجت مصر إلى التوقيع على اتفاقية المبادئ، التى تضمنت فعليًا ولأول مرة اعتراف رسمى مصرى بحق إثيوبيا فى تشييد السد والاستفادة من كهربائه المتولدة. اتفاقية المبادئ نصت اتفاقية المبادئ على وجوب احترام الاتفاقيات الدولية الموقعة والخاصة بمجرى مياه نهر النيل، وإشراك مصر فى عملية إدارة سد النهضة حال تشييده، إضافة إلى اختيار مكتب استشارى لدراسة الآثار السلبية لسد النهضة، وإذا لم يصل الطرفان إلى نتيجة يحتكم الجميع إلى خبير استشارى عالمي، يكون رأيه ملزما للجميع. مكتبان استشاريان اختارت مصر والسودان مكتب هولندى للدراسات، وكان من المفترض أن توافق عليه إثيوبيا على اعتبار أن رأى الأغلبية، غير أن إثيوبيا صممت على وجود مكتب آخر فى الدراسات وهو مكتب فرنسى يُدين بالولاء لإثيوبيا، ولك تكتف بذلك بل أصّرت على أن يأخذ المكتب الفرنسى 70 %ٌ من الدراسات، و 30 % للمكتب الهولندي، وكان هدفها من وراء ذلك هو الوقيعة بين المكتبين واستثمار الوقت تأجيل وبالفعل أجلت إثيوبيا المحادثات أكثر من مرة، بحجة انشغالها فى أمور داخلية وانتخابات محلية، ثم جاءت إلى مصر، فى اجتماع أسدل الستار عليه، مساء أمس السبت، وطالبت باختيار مكتبين استشاريين آخرين غير المكتب الفرنسى والهولندي، واعتبرت أنهما سبب تأجيل المحادثات. وفى هذا السياق، يقول الدكتور نادر نور الدين، الخبير الزراعى والمائي، إن الوزير المصري، حسام مغازى، يفتخر بأن العمل فى سد النهضة يسير بخطى أسرع من تقدم المباحثات وكأنه يعترف بفشل ما يشارك فيه من مباحثات ونجاح ما تقوم به إثيوبيا وحدها، مؤكداً أن إثيوبيا تكذب وتقول إنه لا توجد خلافات بين الدول الثلاث وأن الخلافات بين المكتبين الاستشاريين بعد أن زرعت فتيل الخلاف بينهما.. ووزيرنا لا يرد؟!. وتساءل نور الدين، من الذى صمم على إدخال المكتب الفرنسى بعد أن اختارت مصر والسودان المكتب الهولندى وكان ينبغى لإثيوبيا أن تنصاع لرأى الأغلبية إلا أنها أصرت على المكتب الفرنسى فانصاعت مصر!!؟؟. وأضاف، من الذى صمم على أن يأخذ المكتب الفرنسى 70% من حجم أعمال مراجعات دراسات السد بينما يأخذ المكتب الهولندى الأكثر خبرة وتخصصا 30% فقط بدلا من الموضوعى بأن يقتسم المكتبان العمل بنسبة 50% لكل منهما؟!. وتابع، من الذى صمم أن يكون المكتب الفرنسى هو المكتب الرئيسى وهو المكتب المسئول وحده عن كتابة التقرير النهائي؟! .. أليست إثيوبيا رغم أن العلمى والمنطقى أن يكتب كل مكتب الجزء الخاص الذى قام بدراساته، وليس من المنطقى أن يسلم المكتب الهولندى ما تحصل عليه من نتائج للمكتب الفرنسى ليأخذ بها أو لا يأخذ بها وينفرد هو وحدة بكتابة التقرير النهائى لأنه دلوعة إثيوبيا، بينما مصر والسودان تتفرج؟! ليعلن المكتب الهولندى انسحابه لأنه لا يضمن العمل باستقلالية ولا حيادية وكلاهما المقصود به تدخل إثيوبيا الفج فى توزيع العمل على المكتبين. وطالب نور الدين، المسئولين، بأن يعلنوا صراحة بأن مصر لن تسمح باكتمال سد النهضة، مضيفًا: كفاية مهازل وقلة قيمة. وفى نفس السياق، قال الدكتور أحمد الشناوي، خبير السدود بالأمم المتحدة، إن هناك "تواطؤ سياسي" من جانب الفريق المفاوض المصري، وأن إثيوبيا تسوف المحادثات لعلمها بتواطؤ المسئولين، مؤكداً أنه "لابد من تدويل القضية بشكل عاجل". وأضاف، ارتفاع سد النهضة خطير، والسعة التخزينية التى تتمسك بها إثيوبيا "مدمرة" ولا بد من حل عاجل وسريع ولو اقتضى الأمر توجيه ضربة عسكرية.