الدكتور مغاوري شحاتة رئيس جامعة المنوفية السابق: المادة 151 بدستور لجنة الخمسين تُعيد الوثيقة إلى النقطة «صفر» خطاب السيسي في البرلمان الإثيوبي «علامة خوف» التحول المفاجئ في موقفي جاء نتيجة تغير الموقف الإثيوبي «السيسي» ليس ساذجًا ولم يتورط فى التوقيع على الوثيقة إثيوبيا وافقت على 70% من بنود رفضتها سابقًا مصر والسودان تواجهان الآن خطر الإبادة الجماعية فى حالة انهيار السد المكتب الاستشاري مهدد بالاختراق.. وعنصر «عدم الثقة» هو المسيطر إثيوبيا لا تعترف بالاتفاقيات الدولية و"التجربة الكينية" خير دليل «اتفاقية المبادئ» كبلت يد مصر عن اللجوء للتحكيم الدولي «محمود أبو زيد» أعطى إثيوبيا الضوء الأخضر لبناء السد
اكتسب السد الإثيوبى "الشرعية" أخيرًا بمباركة مصرية خالصة، وتم الانتهاء من بناء 45% من جسد السد.. رأى الرئيس السيسى ذلك بنفسه أثناء زيارته الأخيرة لإثيوبيا، حيث وقع وثيقة الاعتراف بالسد كأمر "واقع"، وبدت ملامح القلق والتوتر عليه، فى الوقت الذى علت البهجة وجوه الرئيس الإثيوبى ورئيس وزرائه "ديسالين". وفى حوارٍ خاص ل"المصريون"، كشف الخبير العالمى فى مجال السدود، ورئيس جامعة المنوفية السابق، الدكتور مغاورى شحاتة، عن موقفه "المتحول" من رفض السد الإثيوبى شكلًا وموضوعًا إلى الإقرار بوثيقة "المبادئ" التى تعترف بوجود السد، معللًا ذلك بأنه "يأتى نتيجة تغير الموقف الإثيوبي". ما سر تحولك المفاجئ من رفض السد إلى تأييده.. وكيف قرأت بنود وثيقة "المبادئ"؟ كان لابد من تغيير موقفي.. إثيوبيا نفسها غيرت موقفها!!.. فجأة وجدنا أنها توافق على اتفاقيات لم تقبلها من قبل، فقد وافقت على أكثر من 70 بندا من بنود اختلفنا عليها سابقًا، غيرت موقفها من كل الاتفاقيات، ففى صدر "وثيقة المبادئ"، الدول الثلاثة مصر وإثيوبيا والسودان، اتفقت على أن يكون الإطار الأساسى للتحاور فيما بينها هو الاتفاق الدولى للمجارى المائية العابرة للحدود الموقع فى عام 1997 فى الجمعية العامة للأمم المتحدة. حينها، كانت إثيوبيا رافضة تمامًا للاتفاقية، وتحفظت عليها مصر بناء على الرفض الإثيوبي، فعندما تُقر به إثيوبيا الآن، فإن ذلك يعنى تعديلاً فى الموقف، كان لابد أن يصاحبه تعديل فى الموقف أيضًا من جهتي.. ولكنى أشعر بقلق!! تشعر بقلق على مصر من توقيع الاتفاقية أم من خطر بناء السد؟ أنا والمجموعة التى أنتمى إليها، والمشكّلة من أكبر المتخصصين فى مجال السدود والموارد المائية، ما زلنا نرى أن السد خطير جدًا على مصر، وتعديل إثيوبيا المواصفات الفنية للسد واستغلالها لثورة 25 يناير، يجعل مبدأ "عدم الثقة" هو المسيطر. سآخذك إلى جولة داخل العمق الإثيوبي.. إثيوبيا لم تلتزم بأي اتفاقية وقعتها مع أى دولة، ولعل "التجربة الكينية" خير دليل، كذلك فإنها تخشى من التأثير على الطوائف المتنازعة داخلها، ولذلك أصرت على وضع بند "سيادة الأرض" فى الوثيقة.. لا تنس أنها تزعمت الموقف الأفريقى من أجل التوقيع على اتفاقية "عنتيبي" وجرت إليها كل دول النيل تباعًا، تلك الاتفاقية المجحفة التى رفضتها مصر، والتى وضعت فى الوقت نفسه شروطًا خطيرة تُقلل من حصة مصر وتستعيض مبدأ "الأغلبية" كبديل عن مبدأ "التوافق". ولكن فكرة سد النهضة ليست بجديدة ومصر لديها علم برغبة إثيوبيا فى تشييده.. فلم هذا الخوف الآن؟ فى عام 1964 كانت دراسات سد النهضة ومعه ثلاثة سدود أخرى موجودة على مكتب الاستصلاح الأمريكي، وبدأت إثيوبيا فى دراسات جادة لتشييده، حتى أنها عرضت الأمر على مصر، وطلبت حينها بديلاً للتنمية غير إقامة السد، ولكن الحكومة المصرية حينها كانت قصيرة النظر، حيثُ قالت لإثيوبيا إنها توافق على بناء سد لتوليد الكهرباء والتنمية. وحديثًا أعلنت إثيوبيا أنها بدأت فعليًا بناء السد، وأعطاها وزير الرى الأسبق الدكتور محمود أبو زيد، إشارة البدء فى البناء، فبدأت فى التشييد بسعة تخزينية تٌقدر ب11 مليار متر مكعب، زادت هذه النسبة تدريجيًا حتى وصلت بها إلى 74 مليار متر مكعب. بعد ثورة يناير ب35 يومًا تقريبًا، زادت إثيوبيا من سعة تخزين السد ليصل إلى 74 مليار متر مكعب، وأسندت عملية البناء بأكملها إلى شركة "سالينى الإيطالية"، ورفضت جميع المطالب ببقاء سعة التخزين الأولي، كما رفضت مشاركة مصر فى إدارة السد، كما طلب منها الرئيس المؤقت عدلى منصور. وبعد أن رفضت اقتراحات "منصور".. لماذا قبلت بها الآن؟ هذا هو السر واللوغاريتم، الذى ليس له حل، فالرئيس المؤقت عدلى منصور، عرض عليهم، مشاركة مصر فى السد ولكنهم رفضوا بشدة، ورفضوا كل محاولات التقارب مع مصر، وحينها اتخذت مصر مواقف مضادة مثل وقف التمويل ونجحت مصر فى ذلك. والآن وافقت على وثيقة "المبادئ" ووافقت على إشراك مصر فى عملية إدارة السد، وكان هناك شك كبير فى نواياها، الأمر الذى استدعى الرئيس السيسى إلى إحالة الوثيقة قبل التصديق عليها، إلى مجموعة من المستشارين وطلب منهم التدقيق فى كل ما جاء فيها وتم التكتم على بنود الوثيقة. ولم التكتم على الوثيقة فى هذا التوقيت ما دام أنه يوجد توافق حولها؟ هذا الأمر أربك الرأى العام فى مصر، فالوثيقة لا تعدو عن كونها مجموعة مبادئ، والتكتم عليها أثار الشكوك حولها، نحن كخبراء ومتخصصين أصابنا الشك فى محتواها، هى بشكلها الحالى لا تضر بمصر، ولكننا توقعنا أن يوجد بها بند الاعتراف بالسعة التخزينية الحالية للسد. لا يخفى على أحد أن إثيوبيا أنجزت 45% من جسد السد حتى الآن، وستنتهى من إنشاء السد، ولن يوقفهم أحد، والسد بالنسبة لهم "أمل" فى حياة سعيدة. أعتقد أن المكتب الاستشارى لم يعد له وجود الآن بعد توقيع الاتفاقية.. ما رأيك؟ المكتب الاستشارى جزء لا يتجزأ من بنود الوثيقة، ورأيه ملزم للجميع، وهناك مكتبان تم الاستقرار عليهما، أحدهما هولندى والآخر فرنسي، ولكن إذا تم إعطاء أحدهما فقط حق دراسة الآثار الجانبية للسد، فإنه سيكون مهددًا بالاختراق، فيجب توزيع الأدوار على المكتبين حتى تكون نسبة الاختراق منخفضة. هذا أمر، الأمر الآخر، هو عنصر "عدم الثقة"، لابد أن يكون موجودًا طوال الوقت فى عمل المكتب الاستشاري، فهذا المبدأ لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة فى التعامل مع دولة مثل إثيوبيا. الخوف الذى يتملكنا حاليًا، هو عند امتلاء خزان السد الإثيوبي، فإن مصر ستعيش سنوات من الجفاف، ولذلك كان هناك بند فى الاتفاقية أصرت عليه مصر، هو ضمان أن السدود لا تؤثر على الدول الأخرى، لكننا نخشى من "الغدر الإثيوبي".
إلى هذا الحد كم الخوف من "الغدر الإثيوبي".. هل ستلتزم مصر من جانبها بالوثيقة؟ مصر لم يعد أمامها خيار غير تنفيذ بنود الوثيقة والالتزام بها، فهى فى حد ذاتها أفضل من عدم وجودها، وهناك العديد من الاتفاقيات التى تعقب "وثيقة المبادئ"، ستكون هذه الاتفاقيات خاصة بالتشغيل والسعة التخزينية وغير ذلك. وألفت نظرك إلى أمر هام، "مصر" ممكن تنقض الاتفاقية فى حالة واحدة فقط، وهى ألا يوافق مجلس النواب عليها، لأن المادة 151 من الدستور الجديد، تُحيل الاتفاقية إلى المجلس لإبداء الرأى بعد 15 يومًا من تشكيله، وبالتالى فإن نقض الاتفاقية من جانب مصر أمر متوقع. أما "إثيوبيا" فقد أشارات إلى ضرورة الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها (وهذا البند مستغرب وضعه لأسباب)، أهمها العنصرية الشديدة الموجودة فى إثيوبيا، فهناك مأوى لبعض العناصر الراغبة فى الانفصال أو الانقلاب على النظام الحاكم هناك.. تخشى "إثيوبيا" أن يستغلها أحد الأطراف للتأثير على القاعدة الشعبية الإثيوبية. ولكن "وثيقة المبادئ" كبلت يد مصر عن اللجوء إلى التحكيم الدولي.. تعليقك؟ هى وضعت إطارًا للتعامل، ولكنها لم تكبل يدها بالشكل المتعارف عليه، فهناك آلية وضعت لمنع تدويل قضيتها، وهى "آلية فض النزاعات"، وهى فى حقيقتها لا تعنى أننا لا نستطيع تدويل القضية ولكنها تضع آلية محددة للتدويل، فيجب قبل الإقدام على هذه الخطوة الالتزام ببند "التفاوض السلمي"، وإذا فشلنا فى ذلك يُمكن حينها اللجوء للتحكيم الدولي.
الموقف السودانى ما زال غامضًا.. ولا يمكن إغفال أن السودان طلبت هدم السد العالي. السودان كانت الوسيط فى المفاوضات، وهى "ضامن إثيوبيا" لدى مصر، وأهدافها من ذلك معروفة، تريد الحصول على مزيد من الكهرباء، وسنساعدها فى ذلك، ولكن ليس على حساب الشعب المصري، ولا يمكننا أن ننسى لها طلبها بإلغاء اتفاقية 1959 الخاصة بالسد العالي، هذا موقف مشابه للموقف "المصرى الإثيوبي" الحالي. هناك خطر يواجه السودان مع مصر، وهو انهيار جزئى أو كلى فى جسد السد، حينها سيحدث فيضان عظيم يغرق السودان ويصل إلى مصر.. سنظل فى حالة ترقب دائم ومستمر لهذا السد العملاق، لأن المنطقة التى بنى فيها السد "مخيفة" ويحدث بها زلازل كثيرة. بدت ملامح التوتر والقلق على وجه السيسى فى إثيوبيا.. أكان ذلك خوفًا من عدم التزام إثيوبيا بالبنود؟ هذا أكبر دليل على وجود خوف مصرى من عدم التزام إثيوبيا بتعهداتها، وإثيوبيا "شاطرة جدًا" فى وضع بنود داخل الاتفاقيات تجعل لها منفذًا للهروب إذا اقتضى الأمر ذلك، ولذلك كان لابد أن يُلقى "السيسي" خطابًا أمام "الشعب الإثيوبي" فى البرلمان، لكى يكون الشعب بأكمله مسؤولاً عن الاتفاقية وليست القيادة السياسية فقط. أما التمويل المتوقع أن تأخذه إثيوبيا بعد الاتفاق، فإنها لن تحصل عليه الآن وحتى تصديق البرلمان المصرى على "الوثيقة" فلا يمكن الجزم بأن اتفاقية المبادئ ستفتح الباب ل"إثيوبيا" أمام تمويل دولى للسد.
تشعر بأن هناك تسرعًا فى إصدار الوثيقة.. كان يُمكن انتظار نتيجة المكتب الاستشاري.. المكتب الاستشارى يدرى الآثار الجانبية المترتبة على بناء السد، وهو فى كل الأحوال سيقوم بدوره، ولكنى أرى أن توقيت الوثيقة الحالى أفضل بكثير، لأنه كان من الممكن أن تأتى نتائج المكتب الاستشارى لصالح الجانب الآخر، وحينها كان سيكون من الصعب توقيع اتفاقية مع إثيوبيا، لأنها ستستند بقوة إلى نتائج المكتب الاستشارى طول الوقت. أيمكن الآن التعامل مع وثيقة المبادئ على أنها حل لقضية سد النهضة؟ هذا أكبر اعتقاد خاطئ، فالوثيقة تنظم شكل التعامل فقط، ولم تحل القضية، سد النهضة "خطير" والمرحلة القادمة أخطر، والاتفاقيات على الأمور الفنية ستكون فى منتهى الصعوبة.