انتهت المعركة المحتدمة منذ 4سنوات بين مصر وإثيوبيا، بخصوص السد التي تعتزم إثيوبيا إقامته على النيل الأرزاق "سد النهضة"، وذلك بانتصار كبير لأديس أبابا بعد إجبار القاهرة على توقيع اتفاقية المبادئ، التي تعترف بشرعية بناء السد. وكان لتوقيع الاتفاقية أصداء كبيرة داخل مصر، إذ انقسم المتخصصون في ملف المياه حول الوثيقة، وسادت حالة من الارتباك بين السياسيين، فيما اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين- المعزولة عن الحكم، أن التوقيع على الاتفاقية يُعد بمثابة "خيانة عظمى لمصر". ورصدت "المصريون" تحول في مواقف عدد من السياسيين والخبراء المعارضين لبناء السد إلى تأييد موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي وحكومته من توقيع الاتفاقية بعدما كانوا يؤمنون بأن السد يمُثل مبعث قلق دائم لمصر. ومن بين هؤلاء الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية، الذي يرى أن "مصر تسير في الاتجاه الصحيح، وتوقيع الاتفاقية خطوة كبيرة ومهمة"، إلا أنه طالب الدوائر الرسمية والحكومة المصرية بعرض تفاصيل ما توصلت إليه الاتفاقية حول التفاصيل الفنية حول سعة الخزان وإشراك المواطن المصري في ذلك. فيما تبني الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة المياه بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام"، وثيقة رد الهيئة العلمية المتخصصة لدراسة سد النهضة، والتي يرأسها وزير المجالس النيابية الأسبق مفيد شهاب، إذ أكد أن "الاتفاقية غير ملزمة لمصر وهي عبارة عن مجرد مبادئ عامة للتعامل وبداية للتفاوض الجيد". واعتبر رسلان أن الاتفاق هو إعلان نوايا، وهو "مجرد خطوه" على طريق طويل وقضية شائكة وممتدة ولها جذور غائرة في الوعي كما هي غائرة في التاريخ ولها جوانب نفسية وسياسية وإستراتيجية ولا تتعلق فقط بالوجه التنموي الظاهر حول استخدامات المياه، وعلينا أن نتحلى بالصبر وان نتسلح بالاستعداد والجاهزية. فيما تراجع الخبير العالمي الدكتور مغاوري شحاتة عن وصفه لإقامة بناء سد النهضة الإثيوبي ب "إعلان حرب على مصر"، قائلاً إن "مصر بدأت مرحلة جديدة، وإن ما يفعله الرئيس هي محاولة للعودة لأفريقيا مرة أخرى". وأشار شحاتة إلى أن "هناك أثار جانبية من توقيع الاتفاقية مع إثيوبيا على باقي القطاعات ومنها قطاع الصناعة والتجارة، الذي يعد أهم القطاعات التي يمكن الاستثمار فيها بين مصر ودول حوض النيل". وكان لشحاتة رأي مثير في بناء السد، إذ أكد في تصريحات سابقة، أن السودان معرضة للإبادة في حالة انهيار السد جزئيا أو كليا, واعتبر أن "بناء سد النهضة يعد حربا علي مصر, وإسرائيل هي المحرضة علي بنائه. وقال إن إثيوبيا موقفها عدائي تجاه جيرانها من الدول وتسعي إلي مصلحتها علي حساب دول حوض النيل, مشيرًا إلى أن ملف بناء السد شائك تاريخيًا منذ فترة حكم الإمبراطور منليك حاكم إثيوبيا, وكما أن محمد علي كان يطور المنابع لمواجهة الخطر الإثيوبي الدائم بتعطيش مصر من خلال هذا السد. الثابتون على مواقفهم فيما ظل عدد من خبراء الري على موقفهم الثابت من رفض وجود السد الإثيوبي، على الرغم من الإيضاحات التي قدمتها "الحكومة" بشأن اتفاقية المبادئ، ومنهم الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الزراعة والري بجامعة القاهرة، الذي اعتبر أن ببناء السد "تكون مصر قد خسرت المعركة"، وأذلت نفسها أمام إثيوبيا. وأكد نور الدين، أن أول مرة في التاريخ تكون هناك وثيقة حول سد، حتى اتفاقية مصر والسودان عام 1959 بشأن السد العالي أطلق عليها اتفاقية تقسيم المياه وليست اتفاقية السد العالي، وأضاف ساخرًا: "يامصر يا أم العجائب". إعلاميًا، اندلعت مشادة بين الإعلامية رانيا بدوي، وبين الإعلامي عمرو أديب، على خلفية رفضها لتوقيع الاتفاقية بعدما رأت أن "مصر تهين نفسها وأنها لا تصب إلا في صالح إثيوبيا. تقرير اللجنة التي ستعرف ما إذا كان له ضرر على مصر أم لا استشاري وسيظهر بعد أن تكون إثيوبيا بنت السد وقد أضعنا حقوقنا بالتوقيع". في حين رأى أديب، أن "الحكومة تسير في الطريق السليم، وأنها بذلك أوجدت حلاً لمشكلة استعصت علي العديد من الأنظمة البائدة، قائلاً لزميلته: "واضح أنك لم تقرئي ولم تفهمي!!". وتبقى الوثيقة التي وقع عليها الرئيس السيسي "محل شك" ومحل اختلاف بين الخبراء والمتخصصين ولا سيما أنها لم تتعرض إلي السعة التخزينية للسد الإثيوبي، ولم تُناقش المسألة من قريب أو بعيد ولم تُبد رأيها في السعه التخزينية للسد سواء بالموافقة أو الرفض. وهو مايعني رفض مصر للسعة التخزينية للسد وتخطيها لهذا البند خوفًا من عدم إتمام الاتفاقية، فيما تنتظر مصر رأي المكتب الاستشاري والخبير الدولي، واللذان يحددان مدى التأثير السلبي الناتج عن بناء السد الإثيوبي.