من موقعي ككاتب سعودي يتابع هذا العرس الانتخابي في مصر الشقيقة، كانت المفاجأة في الانتخابات المصرية التي أجريت أخيراً لم تك في تصدّر حزب (الحرية والعدالة) التابع لجماعة (الإخوان المسلمين) في مصر؛ بل في فوز حزب (النور) السلفي، وتحقيقه المرتبة الثانية، وتقدّمه على التيارات اليسارية والليبرالية والعلمانية المصرية، في فترة و جيزة، أمام تلك التيارات العريقة في الساحة السياسية المصرية على امتداد قرن كامل، وتفاجأ المراقبون بهذا الحضور الكبير للتيار السلفي في مصر. عدم المفاجأة في فوز (الإخوان المسلمين) لأن هذا التنظيم قديم، ويضرب بجذوره لعهد الملكية المصرية، فضلاً على اكتساحه للعمل الاجتماعي داخل الأحياء الشعبية والمدن الصغيرة، وكثيرون يعرفون نشاطه وجماهيريته، لذلك حصد المركز الأول، بيد أنّ الحصان الأسود الحقيقي هو التيار السلفي المصري، الذي دخل معترك الحياة السياسية مؤخراً، وانقلب على أدبياته التي كانت لا ترى التحزّب، ولا الاشتغال بالعمل السياسي، وأن الديموقراطية كفر، بيد أن مشايخهم استوعبوا المتغيرات سريعاً، ورأوا أن مصلحة الدعوة والسلفية دخولهم معترك الانتخابات، والمزاحمة الحضارية فيها، وعدم تركها لغيرهم، والإصلاح عبر هذه المجالس النيابية، والمراكز المؤثرة في مفاصل المجتمع المصري. أتذكر أنني سألت القيادي المصري ياسر برهامي قبل أكثر من ستة أشهر، لماذا هذا الانقلاب على منهجكم الذي سرتم عليه طيلة عقود طويلة، ونتذكر ما كان يقوله الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أشهر علماء السلفية الحديثة عن المشاركة في الانتخابات والحزبية، فأجابني بأن ذلك صحيح، وقد التزمناه طيلة السنوات الفارطة، بيد أن مشايخنا المصريين رأوا أن من الحكمة المشاركة"، وهذا التعليل هو ما قاله لي أيضاً نائب رئيس حزب (الأصالة) السلفي ممدوح اسماعيل بأن: "التيار السلفي متنوّع، ولا يندرج في تنظيم واحد، ومن السلفيين من يرفض العمل السياسي، ومنهم مجموعات تؤمن بجدوى العمل السياسي واتصاله بقضايا الشريعة، والكثير من مشايخنا استوردوا فكرهم من علماء السلفية في الخليج والسعودية، وكثير منهم تغيّروا". فرح الإسلاميون والمحافظون عموماً في وطني وفي البلاد العربية بهذا الانتصار الكبير لإسلاميي مصر، غير أنّ هذا الفرح عكّرته الاختلافات التي طفت في السطح بين التيارين، ربما عبّر عنه بكل صراحة رئيس حزب (النور) السلفي عماد عبدالغفور الذي قال ل(رويترز): "إن الحزب لا يريد أن يكون تابعاً لأي قوة سياسية أخرى، وإن (الإخوان المسلمين) قد يحاولون إظهار التيار السلفي في ثوب «المشاغب والمخالف». وأضاف "نحن نكره التبعية، لأنهم يقولون دائما أنتم تتخذون قراراتكم مثل (الإخوان)، نحن بفضل الله لا نتخذ قراراتنا تبع (الإخوان)، فنحن لنا رؤيتنا، نحن لا نستبعد أن يحاولوا (الإخوان) تهميشنا، لأن هذا لاحظناه في بداية الأمر، ولا نستبعد أن الأمر يستمر لإظهارنا بأننا الكتلة المشاغبة، ولشيطنة التيار السياسي السلفي، وإظهاره بأنه هو المشاغب والمخالف". بالتأكيد، لهو أمر مؤسف إن ثبت ذلك، ولا يليق أن يسود هذا المناخ بين تيارين كبيرين يمتثلان منهج الإسلام، وهو ما نرجوه من التيارين؛ بأن يسربلهما روح الحب والوئام في إطار المبادئ التي يحملونها ويدعون لها. رغم توقع كثير من المراقبين في هفوات قد يقع فيها رموز التيار السلفي المصري الذي دخل السياسة؛ إلا أنني على ثقة بأنهم سيتعلّمون سريعاً، وقد قال القيادي السلفي ممدوح اسماعيل بأن: "السلفيين منفتحون على كل التيارات الوطنية، وأن من مصلحة الإسلاميين هذا الانفتاح، كي لا يقسموا مصر طائفياً"، وهذا لعمرو الله حقّ، ومن الجيد أن انتبه لذلك الإخوة هناك، وهو ما يعول الحادبون عليهم في حكمة قيادات السلفية المصرية، والسعي الدؤوب في تمتين وحدتهم الوطنية ،والمحافظة على المكتسبات والتوازنات الطائفية والفكرية في أرض الكنانة، والتريّث في التصريحات الإعلامية التي يتفنّن مناوؤا السلفية من الإعلاميين في إسقاط رموزها، وتوريطهم بتصريحات لا يحسبون حسابها، ليؤلبوا الغرب عليهم، وقد أظهروهم بمظهر الرجعيين الذين لا يؤمنون بحقوق الإنسان ولا المرأة، فبحر السياسة كبير، ومهاويها سحيقة، وهي لا ترحم ذوي النيات الطيبة. من الإشارات المهمة التي أطلقها قادة (الإخوان المسلمين) في مصر؛ ثناؤهم على دور ومكانة المملكة العربية السعودية، والتي لاقت ارتياحا كبيرا، فقد صرّح بذلك المتحدث الرسمي باسم جماعة (الإخوان المسلمين) في مصر د.محمود غزلان في حوار فضائي أخير له، وأشاد بدور المملكة العربية السعودية ووقفة ملوكها تجاه أعضاء الجماعة وقيادتها التاريخيين في عهود اضطهاد أنظمة الحكم في مصر لهم منذ العام 1954م، وقال: "نقدّر موقف المملكة من الإخوان، عندما آوتهم واستقبلتهم وأمنتهم على أنفسهم، وسنحفظ لها الجميل، ونكنّ لها عميق الامتنان، وسنسعى إلى تعزيز علاقة مصر بالعالم العربي، غير أن العلاقة مع السعودية سيكون لها وضع خاص، وستتطوّر إلى أفضل مستوياتها"، وحول سؤال عن كيفية تحويل هذا الشعور إلى مبادرات، قال: سنعقد مشاورات مع المسؤولين في المملكة ونشرح لهم وجهات نظرنا في الظروف التي تمرّ بها مصر، وسندعوهم إلى الاستثمار في وطننا"، بل حتى موضوع إيران الحسّاس وعلاقة الجماعة بها، قال د.غزلان: "إيران دولة إسلامية لكنها إذا اعتدت على حقوق أيّ دولة عربية، فسننحاز إلى الدولة العربية ضدها، لدينا استعداد للتعاون الاقتصادي والعلمي مع إيران بشرط عدم التدخل في شئون مصر أو السعي إلى تغيير التركيبة المذهبية، وندين تأجيجها للاضطرابات في أي دولة عربية، وسنتعامل معها في حدود المصالح، والمسألة ليست صداقة مستمرة أو عداوة مستمرة". آمل من الله تعالى أن تلتزم الجماعة بنظرتهم للمملكة ودورها، وأن يحفظوا لها الجميل بما قال الناطق الرسمي لهم. وصول الإسلاميين للحكم في مصر والمغرب وتونس، وفي الطريق -كما يتوقع المراقبون- في الجزائر، هو انتصار في النهاية للمملكة، فهؤلاء يعرفون ثقل دولتنا، ومكانتها في قلوب المسلمين، وربما اتعظوا وتعلموا من تجاربهم السابقة التي لا نودّ فتحها في تسعينيات القرن الفارط، وبالتأكيد ما قاله د.غزلان، وقبله الغنوشي –رغم التشويش الذي صاحب تصريحاته في الولاياتالمتحدة ونفيه لذلك – وغيرهما من قيادات الإسلاميين ممن تصريحات ايجابية حيالنا؛ يجعلنا نتفاءل بمستقبل جيد للعلاقة بيننا وبين هذه الدول. المملكة حصن الإسلام ومنبع العروبة، ومن أراد أن يتجاوز هذه البدهية فسيخسر بالتأكيد. • إعلامي وكاتب سعودي