مصيبة أخرى تحل على رؤوسنا ، وكأنها ناقصة مصايب ، بسقوط الطائرة الروسية المغادرة من شرم الشيخ عائدة إلى بلادها وتحمل أكثر من مائتي راكب ، قالت التقارير أنهم جميعا من السياح الروس إضافة لطاقم الطائرة ، وأن جميع ركابها في عداد الضحايا ولم ينج أحد ، وحتى كتابة هذه السطور لا يعرف على وجه التحديد سبب سقوطها ، الأرجح حسب التقارير المتعددة أن خللا فنيا كان سببا في الحادثة المروعة ، وبعض السلوك الروسي يعطي هذا الانطباع أيضا ، لأن الشرطة هناك داهمت مقر الشركة مالكة الطائرة ووضعت يدها على مستنداتها ، وهذا ربما يشير إلى أن الشكوك تتوجه حول سلامة إعدادات الطائرة وصلاحيتها للملاحة ، وفي وقت متأخر قال تنظيم داعش الذي ينشط في شمال سيناء أنه هو الذي أسقط الطائرة ، ردا على القصف الروسي للمدنيين في سوريا ، وهي رواية مشكوك فيها ، ولا يوجد ما يدعمها من دلائل أو تقديرات خبراء ، كما أن تأخر التنظيم في الإعلان عن مسئوليته لأكثر من عشر ساعات تقريبا يشير إلى أنه ربما يحاول الاستفادة من الحادثة إعلاميا ولو باختلاق روايات حول نجاحه في إسقاطها . بطبيعة الحال ، الجميع في مصر يضع يده على قلبه ، وخاصة المجموعة الوزارية الاقتصادية والعاملين في مجال السياحة ، لأن شرم الشيخ والسياحة الروسية هي تقريبا كل ما تبقى لنا من النشاط السياحي الذي تضرر كثيرا بسبب الأحداث السياسية الصاخبة والمضطربة وبعض الأعمال الإرهابية ، ولأن المعادلة البسيطة تقول أنه إذا ثبت أن الحادثة كانت بسبب عطل فني فإن هذه النتيجة ستكون انعكاساتها ضعيفة على السياحة ، وأما إذا ثبت أنها بفعل تخريبي أو إرهابي فإنها الكارثة بكل تأكيد . أعتقد أن الكشف عن ملابسات الحادثة وسببها الحقيقي ستأخذ بعض الوقت ، ولكني هنا أسجل احتجاجي الكامل على التعتيم الإعلامي الذي أحاط بالحادثة ، واضطرار الإعلام المحلي والعالمي للاعتماد على تسريبات لمصادر مجهولة ، أمنية أو بالطيران ، بعضها ثبت أنه فضائحي ، مثل التصريح المبكر بأن الطائرة غادرت المجال الجوي المصري وأنها وصلت تركيا ، ثم التسريبات عن وجود ناجين ، وكل ذلك ثبت خطؤه ، وغياب الصورة الحية بالكامل عن الشاشات ، والأسوأ أن ذلك أعطى مساحة كبيرة للشائعات والشكوك حول الحادثة وحقيقة ما حدث ، لقد بدا الإعلام مشلولا تماما في التغطية ، وجرى التعامل معها كما لو كانت حادثة عسكرية أو سرا حربيا . أذكر قبل حوالي ثمانية عشر عاما تقريبا ، كنت أتأهب للعودة من الولاياتالمتحدة بعد مشاركتي في مؤتمر فكري طلابي للمبتعثين العرب في شيكاغو ، ووقعت حادثة سقوط طائرة مروعة في بنسلفانيا ، وكان الأمر شبيها بالطائرة الروسية ، وتبعثر الحطام على مساحات كبيرة في منطقة جبلية وعرة ، وتم التأكيد على سقوط الطائرة بعد ساعة واحدة تقريبا ، ومنذ لحظة اختفاء الطائرة ثم إعلان سقوطها وما تلاها وهناك متابعة حية بالصورة والصوت ، تسمرت أعيننا أمام الشاشات بسببها ، وتصوير حي من موقع الحطام وجولات للكاميرات على اتساع المنطقة ، ورصد جهود رجال الإنقاذ في الموقع ، وعمليات البحث ، ومتابعات حية أيضا في مقر الشركة المالكة ، وفي صالة المطار التي خرج منها ركاب الطائرة ولقاءات أخرى في مطار الوصول للقاء بالأهالي الذين هرعوا لهناك يسألون عن ذويهم ولقاءات مع ركاب تخلفوا عن اللحاق بالرحلة وهم يعيشون حالة ذهول ولقاءات مع خبراء طيران ولقاءات مع رجال أمن ورجال قانون ورسوم توضيحية لخط سير الطائرة ورسوم أخرى للتصورات المفترضة لما جرى لها ، وتفاصيل أخرى عن بيانات الطائرة ، كل الحقائق والمعلومات والمتابعات أمامك لحظة بلحظة ، وهي أجواء يستحيل فيها الادعاء أو نشر شائعة أو حتى البحث عن معلومة بعيدا عما تراه وتسمعه بعينك وأذنك . ما حدث من تعتيم على الحادثة وتفاصيلها لم يحرج الإعلام المصري فقط ، ويضعف تلقائيا كل الروايات الرسمية عن سقفه العالي ، وإنما أحرج السلطات المصرية نفسها ، بإظهارها كمن يخفي شيئا أو يتعمد التعتيم على الحادث ومنع المعلومات عن العالم ، وهي أجواء تنشر الشكوك وتساعد محترفي الشائعات .