لا يخلو بلد من البلدان وعلى مر التاريخ من وجود شرذمة من المردة المتربصين به ، هؤلاء الذين يسمون فى العصر الحديث بالطابور الخامس أو المأجورين أو النفعيين ، وكانوا يسمون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم بالمنافقين ، وهم على قلتهم كثيرًا ما تسببوا فى خراب البلاد وضياع الأوطان وانفراط عقد وحدتها .. والخطر الأكبر من هؤلاء لا يأتى من كونهم أشرارًا لا يضمرون فى قلوبهم لأوطانهم إلا السوء ، وإنما بسبب انخداع بعض أصحاب النوايا الحسنة بهم ، وذلك كما حدث مع طائفة السبئية ، الذين سموا بذلك لأنهم التفوا حول رجل يهودى يمنى يسمى ابن سبأ ، هذا الرجل الذى استغل سماحة الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه والحرية الزائدة التى منحها للرعية فى نقده ونقد أمرائه فى تأليب ضعاف النفوس عليه وجمعهم خلفه ، ثم نجح فى استدراك بعض الصحابة المخلصين إليه بعد أن استغل العاطفة الدينية القوية لديهم ، تلك العاطفة التى لم تتح لهم فرصة للتثبت من كذب المزاعم التى كان يطلقها هو ورفاقه على أمراء المسلمين فى الأقطار النائية عنهم ، فانقادوا خلفه لينتهى الأمر بمقتل الخليفة الحليم. وشبيه بهؤلاء السبئية تلك الشرذمة التى تتجمع الآن فى ميدان التحرير وحول مبنى رئاسة الوزراء ، ويشعلون النيران فى تراث الأمة الثمين الذى تصل إليه أيديهم ، ويسعون لحرق مصر بأكملها ، والخطورة كما قلت لن تأتى من هؤلاء ، وإنما من الوطنيين الصالحين الذين ينخدعون بهم ، خاصة وأن هؤلاء المردة بدءوا يعزفون على وتر العفة والشرف ليستدرجوا الإسلاميين ليزجوا بهم فى أتون الحرب مع الجيش هذه الفتاة التى لا نعرف من هى وماذا تريد ومن ورائها ، فانطلق بعض الإسلاميين وعلى رأسهم للأسف الشيخ حازم أبو إسماعيل يدينون مَن سحلها ، ويجعل سحلها إهانة لكل نساء مصر وفتياتها ، وهى جريمة بحق لا أبررها أنا ولا غيرى ، ولكن ينبغى أن نبحث وراء الأمور التى دفعت هؤلاء الجنود المساكين المدانين هم وضباطهم فى كل الأحوال وأنا أظن أن تلك الفتاة لم تكن من المتنقبات ، وربما لم تلبس النقاب إلا حيلة ، وأن من حرضها أو دفعها لذلك هو واحد من سبئية العصر ، وقصد من وراء ذلك أمرين : الأول أن يندفع الشباب المسلم للثأر لتلك الفتاة من الجنود فى كل ساحة يرونهم فيها فتكون فتنة ويلتحم الإسلاميون بالجيش والأمر الثانى الذى يقصده هؤلاء السبئية الجدد أن تتحرك عاطفة وغيرة بعض الضباط فى الجيش لتلك الفتاة فتأخذهم الحمية ويعلنون انشقاقهم عن الجيش ويدعون الشباب المتهور للالتفاف حولهم للثأر لكرامتها وشرفها وعفتها ، ثم يدخلون فى صراع مع بقية الجيش ، وبذلك تكون الطامة الكبرى ، التى لن تنتهى حتى يُفنى بعضنا بعضا ، وتقر أعين من يقف خلفهم .. ولذا فإنا أصرخ مناديًا الجميع من أبناء الوطن ، مسلمين وغير مسلمين ، إسلاميين وعلمانيين ، سياسيين وعلماء ، مدنيين وعسكريين : أن الحذر! الحذر ! فالنار إن اشتعلت ستحرق الجميع ، والسفينة إن غرقت سيبتلعنا الموج جميعًا ، فلنتدارك الأمر قبل أن يعمنا الطوفان ، فقد لا نجد معاوية رضى الله عنه يجمع شملنا بعد ذلك ، وقد لا نجد مثل الحسن رضى الله عنه يتنازل ويضحى بكل شىء من أجل حقن الدماء . ألا هل بلغت ! اللهم فاشهد [email protected]