[email protected] منذ بدء اذاعة مسلسل الحسن والحسين ومعاوية والجدل الفقهي حول هذا المسلسل لا ينتهي وقد حظي بضجة اعلامية وفتاوي عدة من رموز دينية سنية وشيعية بمقاطعته ومنع عرضه. والحقيقي ان هذا المسلسل تناول مرحلة دقيقة من تاريخ امة الاسلام وهي التي تلت قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وما شهدت هذه الحقبة من حوادث مهمة في التاريخ الاسلامي حتي موقعة كربلاء المفجعة.. ولقد اتخذ المسلسل موقفا عاطفيا من جميع الصحابة الذين عايشوا هذه الحقبة وخاضوا غمار الفتنة فيها واجتهد المسلسل في دفع مسئوليتهم مما حدث من مجازر وجري من فظائع قتل فيها عشرات الآلاف من المسلمين واظهارهم شديدي الحب والود لبعضهم البعض بصورة افضت لتمييع الحقائق التاريخية واخرجها من سياقها الحقيقي. ولم يكن السبيل لذلك إلا باتباع آليات السينما المصرية القديمة من تركيز الشر الموجود بالسيناريو وتشخيصه في شخصية واحدة لا ينتهي العمل إلا بعد التخلص منها بصورة تبعث علي الارتياح بزوال الشر وتحمل النهاية السعيدة التقليدية التي تطرب الجمهور.. وقد وجد القائمون علي المسلسل ضالتهم في شخصية عبدالله بن وهب بن سبأ الملقب بإبن السوداء والمعروف ان صاحب هذه الشخصية وراويها الأوحد هو سيف بن عمر التميمي الكوفي المتوفي سنة 071ه ومنه اخذ جميع المؤرخين.. ثم اشتهرت القصة وانتشرت في كتب التاريخ علي مدي القرون حتي يومنا هذا حتي اصبحت من القصص الشهيرة التي لا يتطرق اليها الشك عند غير اهل التحقيق. وقد فات المعظم من الكتاب والمؤرخين ان هذه الاسطورة وضعها راو واحد فرد.. وان الراوي هذا هو سيف بن عمر المشهور عند قدامي علماء الحديث بالوضع والمتهم بالزندقة، حيث قال فيه أبو داود: »ليس بشيء كاذب« وقال ابن عبدالبر: »سيف متروك وإنما ذكرنا حديثه للمعرفة« وقال فيه النسائي: »ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون«..وعندما تطالع ما رواه سيف عن ابن سبأ وعلي النحو الذي جسده المسلسل تستطيع ان تحكم مطمئنا ان قصة ابن سبأ لا يصح نسبتها الا الي عفاريت الاساطير ومردة الجن.. فكيف يصح لانسان ان يصدق ان يهوديا جاء من صنعاء واسلم في عصر عثمان استطاع ان يغري كبار الصحابة واجلاء التابعين ويخدعهم ويطوف بين البلاد ينشر اباطيله. وان يكون خلايا ضد عثمان ويستقدمهم الي المدينة ويؤلبهم علي الخليفة فيهاجمون داره ويقتلونه بمرأي ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان.. هذا شيء لا يحتمله العقل.. وفي هذا المقام يقول عميد الادب العربي الدكتور طه حسين فيه: ان أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا.. وأنا أري ان ابن السوداء لم يكن إلا وهما. ثم الاغرب انهم يزعمون ان ابن السوداء واتباعه ألهوا الإمام عليا وأن عليا حرقهم بالنار، ولكنك تبحث عن هذا في كتب التاريخ فلا تجد له ذكرا.. فلسنا نعرف في اي عام من اعوام الخلافة القصيرة التي وليها الامام علي كانت فتنة هؤلاء الغلاة. وليس تحريق جماعة من الناس بالنار في الصدر الاول للاسلام وبين جماعة من اصحاب النبي ومن صلحاء المسلمين بالشيء الذي يغفل عنه المؤرخون فلا يذكرونه ولا يوقتونه انما يهملونه إهمالا تاما.. وعندما تستبين وهمية شخصية ابن سبأ تكتشف ان إلصاق دور الفتي الشرير بهذه الشخصية الموهومة وتحميلها كل الاحداث الصادمة لوجدان المسلم البسيط التي حدثت في تلك الفترة والذي يحز في نفسه ان يبتلي تاريخ الاسلام بهذه الابتلاءات وان يشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأبلوا بلاء حسنا وشاركوا في وضع اسس الاسلام. ولم يكن هناك انسب من ابن سبأ ليفوز بدور الفتي الشرير.. فهو الذي اثار الفتنة التي ادت الي قتل عثمان. ثم هو الذي حرض الجيشين يوم الجمل علي الالتحام علي حين غفلة من علي وطلحة والزبير ولم يكن احد منهم يدري انه سيكون قتال هذا في التاريخ السياسي أما في التاريخ الفكري فعلي عاتقه يقع أكبر انشقاق عقائدي في الاسلام بظهور الشيعة.. وهم بهذا السياق لا يبرئون الصحابة الاجلاء رضوان الله عليهم بقدر ما يزورون التاريخ بحيلة ساذجة تجاوزها العقل منذ قرون. وكيل مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية