هناك جوانب جيدة في كارثة غرق محافظة الإسكندرية نرصد بعضها في النقاط التالية. الأولى: ذهاب رئيس الوزراء فورا إلى المحافظة ليقف على فصول الكارثة، ويتابع جهود العمل على حلها بنفسه، فهذا يستنفر طاقات الكسالى الجالسين في مكاتبهم، وكل واحد منهم جاهز بالمبررات التي تجعله خارج نطاق المسؤولية القانونية، أو حتى الأدبية والسياسية، أن يكون المهندس شريف إسماعيل على أرض الواقع، أفضل مما لو كان قد بقي في مكتبه يتلقى البيانات ويصدر التعليمات. والمؤكد أن من شاهد ليس كمن سمع، وهو شاهد على الطبيعة مع المصريين جميعا مستوى تدهور البنية التحتية في المحافظة، وعدم قدرتها على استيعاب كمية كبيرة مفاجئة من الأمطار، رغم أنها محافظة ساحلية وتوقع سقوط أمطار كثيفة ولفترات طويلة أمر طبيعي، ولعل رئيس الوزراء يدرك أن واقع البنية التحتية والخدمات شبه المنهارة لا يقتصر على تلك المحافظة فقط، بل يضرب القطر كله، وإذا كان الإدراك مهم، فإن الأهم هو البدء وفورا بوضع الحلول طويلة الأمد، وليس المسكنات الوقتيه. ذهاب رئيس الوزراء للإسكندرية يجب أن يكون سلوكا مستمرا وجديا، وليس استعراضيا في عمل السلطة التنفيذية، وذلك بالتواجد في موقع الأحداث وسط الناس، فهذا يؤكد معنى المسؤولية والإطلاع المباشر على أبعاد ما يجري، ولا يجب أن يكون حضور المسؤول مرهونا بكارثة أو أزمة كبيرة فقط، بل يشمل أي أذى يلحق بالمواطنين، ولو كان محدودا، فهذا المسؤول مهما كانت درجته جاء لخدمة الناس، وليس تجاهلهم، والتعالي عليهم. الثانية : استقالة محافظ الإسكندرية، أو طلب رئيس الوزراء منه أن يستقيل، هذا سلوك حميد، وحتى إذا كان المحافظ لا يتحمل مسؤولية الكارثة كاملة، أو أن جانبا من أسبابها خارج عن الإرادة، لكن تحمل تبعات المسؤولية السياسية أمر مهم، وهى رسالة لبقية المحافظين والمسؤولين بأن المصير ذاته سيكون لمن تقع في دائرة عملهم أحداث أو كوارث جزء منها ناتج عن التكاسل والإهمال، لكن الوضع في حالة هذا المحافظ المثير للجدل كان مختلفا فمطالب استقالته كانت تتردد منذ فترة لأسباب عديدة منها خلطه بين الشخصي والعام باصطحابه زوجته معه في أعمال واجتماعات تخص المحافظة، ومنها تراكم القمامة، وضعف الأداء العام، محافظ لا يعكس ما قيل عن حصوله على شهادات مرموقة أنه يمتلك قدرات خارقة في العمل. الثالثة: مسارعة الرئيس بعقد اجتماع عاجل مع الحكومة في اليوم التالي للكارثة رسالة بأنه حاضر في العمل التنفيذي، ولا يكتفي بمجرد إرسال رئيس الوزراء للمحافظة، ولا التخلص من محافظ صار عبئا على النظام، واتصور أن قيمة هذا الاجتماع في أن يكون رئيس الوزراء قد عرض وبشكل مفصل الأوضاع المتردية في الخدمات العامة بالمحافظات لإطلاع الرئيس على حقائق الموقف لكي يكون رأس السلطة في حالة إحاطة كاملة بدقائق الموقف وضرورة ترتيب الأولويات في الخطط والمشاريع للبدء بالعاجل، وتأخير ما هو غير عاجل. الرابعة: ألاحظ أن هناك حزم وسرعة في القرارات عقب الأزمات، وإذا لم يكن ذلك حلا ناجعا، إلا أنه يكرس معنى المحاسبة الفورية ولو سياسيا ما يجعل أي شخص يتقلد منصب يدرك أنه لن يكون محصنا من الطرد من المنصب إذا لم يقم بعمله كما يجب، هناك إقالات عديدة تمت خلال فترة وجيزة شملت وزير للعدل، وآخر للزراعة، ومحافظ البنك المركزي، ومحافظ الأسكندرية ومعه مسؤول الصرف الصحي، أضف لذلك تغيير رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، تلك الاستقالات أو الإقالات ستكون مؤثرة لو أعقبها تسكين شخصيات أفضل ممن سبقهم، وحققوا إنجازات، أما لو اقتصرت على مجرد تغيير أشخاص فستسير الأمور بوتيرتها المعتادة دون تحقيق أي تقدم يذكر. أما ما هو غير جيد، وقد ورد ذكره في سياق ما كتبناه في السطور السابقة أن أزمة الخدمات شاملة وأصعب وأعقد مما يظن أحد، واعتقد أن علاجها وتحسينها وتطويرها وإحلالها وتجديدها يجب أن يكون أولوية قصوى في أجندة السلطة التنفيذية، أولوية تسبق العاصمة الجديدة، وكان يُفترض أن تسبق حفر القناة الجديدة، ولعل وضع شبكة الصرف الصحي، وشبكة تصريف الأمطار في الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر يشيي بضخامة الأزمة، مجرد كمية أمطار زائدة كشفت بؤوس الأوضاع، ومن حظ الأسكندرية أنها مدينة كبيرة، فما بالنا بمدن منزوية وبعيدة، وألوف القرى والنجوع التي تفتقد الحد الأدنى من الخدمات من مياه شرب، وصرف صحي، وشبكات كهرباء آمنة، وطرق صالحة للسير، في قريتي الكبيرة جدا إذا بخت السماء بخة أمطار خفيفة فإن حياة السكان تتحول إلى جحيم بسبب الشوارع التي تتحول إلى برك مياة وأوحال، وهى أيضا بدون أمطار نموذجا مأساويا للإهمال، وفقدان الخدمات، وهكذا كل القرى الأخرى، فالأزمة عامة ومتطابقة. في كارثة الإسكندرية نكتشف من كلام المحافظ السابق أنه طلب 75 مليون جنيه لإصلاح تصريف الأمطار، والحكومة لم تهتم، ثم تقوم فورا بتوفير المبلغ بعد الذي حصل، أي تفكير هذا؟، كيف عجزت الموازنة عن تلبية المبلغ، ثم كيف سمحت نفس الموازنة بالاستجابة وتوفير الأموال؟. واضح أن البلاد تسير بلا خطة، الإدارة يوم بيوم، نفس منطق الإدارة المتوارث من عصر مبارك، لا شيء كثير ولا كبير يتغير، لكن الذي تغير أن منسوب النفاق قد ارتفع، والشعارات والأغاني التي تقدم صورة مزيفة عن الواقع المؤلم في ازدهار، البلدان لا تبنى بشعارات، ولا بصور براقة مصنوعة، ولا بأغنيات حماسية بلا روح، ولا باصطناع شماعات وفزاعات، ولا بالهروب للأمام، إنما تبنى بالشفافية، والمصارحة، والنزاهة، والديمقراطية، والحرية، وتقدير الصوت الآخر لأنه أكثر حرصا على المصلحة العامة من الصوت المنافق المدّلس. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.