بالطبع هذا القول صحيح مائة بالمائة " الجميع يحسن التعامل مع النصر لكن القوى فقط هو من يحسن التعامل مع الهزائم " . من الناحية السياسية وبالمنظور الانتخابى فحزب النور لم يفشل كما يروج ويشمت الجميع – وأنا هنا أتحدث كمراقب فلا أنتمى حزبياً لهذا ولا ذاك - ، لأنه لا يزال ينافس على 24 مقعد فردى فى الاعادة ولا تزال أمامه فرصة فى الفوز ب10 مقاعد على الأقل فى المرحلة الأولى فضلاً عن نتائج المرحلة الثانية . هذه النتيجة التى أحرزها حتى الآن جيدة بالنظر الى حجم التحديات التى قابلها الحزب فى الفترة الماضية مع دخوله المعترك الانتخابى ومع ارادة معظم القوى اعاقة تقدمه وتحقيقه نتائج كبيرة سواء اسلامية أو مدنية ، ورب ضارة نافعة فما تعرض له النور من هجوم فضلاً عن عوامل أخرى داخل الحزب وداخل الحالة السلفية برمتها أدت لتلك النتائج يصب فى مصلحة الحزب من حيث لا يدرى قادته والمنتسبون اليه ! فحصولهم على نتيجة كهذه ستجعلهم أكثر ميلاً للتوافق وستجبرهم على التواضع والتدرج فى المشهد السياسى وصولاً الى النضج والمستوى السياسى الاحترافى على المدى المنظور بعد تمرس فى المشهد لسنوات طويلة تتيح لهم تربية الكوادر واعتياد التعايش والتنوع والوعى الكامل بطبيعة الحالة السياسية والحزبية ، بالمقارنة بالسيناريو الآخر فى حال حصلوا على نتائج كبيرة بصورة مفاجئة فى بداية ولادة الحزب وحداثته فى المشهد وهذا سيؤدى حتماً لتكرار فشل الاخوان نتيجة الشعور بالغرور والتضخم بدون خبرات وتجارب ممتدة ، والمنطقى ألا يسمح هو بذلك بمبادرة ذاتية لا أن يجبره الآخرون على ذلك . لو كان بالون الانسحاب من قبيل المناورة السياسية والضغط فقد يلتمس لهم البعض العذر لتخفيف الضغط والهجوم عليه ، لكن تنفيذ الانسحاب فعلياً فالحزب هو الذى سيخسر الكثير ، أولاً سيخسر فرصته فى التعويض واحراز بعض النتائج الايجابية فى الاعادة والمرحلة الثانية ، وسيخسر فرصته فى الحضور السياسى المتوازن العقلانى المتدرج ، لأن المواقف الحادة المتشنجة ستجره لاحقاً الى مواقف أكثر تشدداً . لا أنصحه بالانسحاب لكى يثبت للجميع بالفعل أنه حزب سياسى فى صراع سياسى تنافسى وارد فيه المكسب والخسارة ، وهو عبارة عن جولات من الممكن التعويض فى مرحلة قادمة يستفيد فيها الحزب من متغيراتها ومستجداتها على الساحة كلاعب وطرف فيها يقبل بقواعد وطبيعة اللعبة السياسية ، أما المقاطعة فأسلوب انهزامى سلبى سيتيح لخصومه مساحة أكبر للهجوم عليه بالحاقه بباقى الفصائل الاسلامية التى خلطت الدينى بالسياسى واختارت المقاطعة وتبرير الهزيمة بأكليشيهات وفزاعات دينية تصب فى صالح الاستقطاب وتعزز من حضور التوجه المتشدد ، والا فما الفارق بينه وبين الاخوان اذاً فى أسلوب التعامل مع الأزمات والخسائر التى يمكن استثمارها بالمشاركة الايجابية الفعالة . وفى مثل تلك المواقف يتم الاختبار الفعلى على الأرض بين من يدعى كونه سياسياً مدنياً تنافسياً تحت المظلة الوطنية حتى لو تعرض لبعض الظلم والخسائر ، وبين الجماعات التى تدار بأسلوب المشايخ التقليدى ، واليوم هناك أمام حزب النور فرصة كبيرة ليثبت أنه حزب سياسى يفصل بين خيارات المشايخ الحادة العاطفية واسقاطاتهم الأيديولوجية وبين السياسى النسبى الذى يتعامل مع المراحل وفق مستجداتها ومتغيراتها ومع الأزمات بأسلوب عقلانى متدرج ونفعى . الهجوم على النور حتى لا يتمكن من النجاح فى مهمة احتلال مكانة الاخوان ومن معهم فى المشهد السياسى ومهمة تمثيل الاسلاميين لأنه بذلك يضعف من مكانة الاخوان بطرح تجربة بديلة أكثر قابلية للاندماج والاسهام بايجابية ، وللتغطية على الفشل والكوارث ومحاولة الانتصار للنهج الصدامى الانفصالى الذى يدعو للمقاطعة ومواصلة المواجهة حتى النهاية والهجوم على النور أداة من ضمن أدوات أخرى وصولاً لهدف كهذا ؛ فمن يهاجم يريد اثبات أن النظام ضد الاسلام وضد الشريعة ويحارب الاسلاميين ، فاذا كان النور ممثلاً للاسلاميين ويشارك وينجح فهذا الآخرين من ترويج فكرتهم وهنا ليس أمامهم الا طريق واحد وهو الترويج بأن حزب النور من جملة المنافقين والفاسدين - بحسب تصنيفاتهم الجاهزة - وأنه جزء من النظام المحارب للاسلام وما هو الا ديكور وقادته عملاء وخونة ، ليتمكنوا بهذا الطرح من اضفاء بعض المنطق والمعقولية على هجومهم على الدولة والنظام والدعوة لمواجهتهما . هذا الهجوم يعزز من طرح النور بأنه بديل لهؤلاء الذين يهاجمونه ، ويتيح له التأكيد اعلامياً أنه مختلف عنهم ورؤيته مختلفة عن رؤيتهم ومنهجه السياسى مختلف عن منهجهم والدليل هجومهم المتواصل عليه ، فالذى لا يفطن اليه مهاجمو النور من الاخوان وحلفائهم بأن هذا هو ما يريده بالضبط لتمكينه سياسياً واعلامياً من طرح نفسه كبديل لهم . التيار السلفى منقسم وحزب النور فقد غالبية الأصوات داخله حيث تناثرت بعد تباينات المواقف هنا وهناك ، وهذه النتيجة تعبر عن الحجم الطبيعى للنور منفرداً ، كما أنه فشل نوعاً ما فى تقديم نفسه للواقع السياسى والفكرى بالنزاع الاعلامى حول قضايا قديمة تسببت فى استقطابات وصراعات وعداوات وزادت الفجوة بين التيارات المصرية المختلفة مثل قضايا الهوية والعلمانية وعلاقة الدين بالسياسة .. الخ وفى رأيى أنها قضايا تضر اليوم ولا تنفع ، لأن المطلوب هو التوحد والبحث عن المشتركات والاسهام مع الآخرين فى القضايا الملحة المجتمعية مثل قضايا الأمية والجهل والصحة وقضايا البطالة والعنوسة والجريمة والمخدرات والعشوائيات .. الخ . حزب النور كممثل للاسلاميين عليه عبء تصحيح أخطاء الفترة الماضية والبدء بخطاب وأداء مختلف تماماً عن غيره من أحزاب التيار الاسلامى ، لكنه يبدأ اليوم بنفس الأسلوب وباثارة نفس القضايا الاشكالية التى أراها ستتسبب فى فشله سريعا ولحاقه بمصير من سبقه ما لم يتدارك أموره سريعاً .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.