لم تتسع مصر لتتحمل أبناءها، بل ضاق صدرها بمن أراد كلمة الحق، فأمر حكامها بأن يصدر عليهم عقوبة الإعدام، حيث أصبحت هذه الأحكام ورقة الضغط التي يمارسها القضاء بسهولة ضد من يعارض الدولة. وتزامنًا مع الذكرى ال13 لليوم العالمي لمناهضة أحكام الإعدام، والذي ينظمه التحالف العالمي لمكافحة عقوبة "الإعدام" فى العاشر من أكتوبر فى كل عام. أطلقت منظمات مصرية حملات عدة لإطلاق سراح المتهمين بقضايا سياسية عقوبتها الإعدام.
وطالب نشطاء وسياسيون، إلى جانب أعضاء حملة "إعدام وطن" بوقف عقوبة الإعدام خاصة الأحكام السياسية منها الصادرة بحق بعض السياسيين فى مقدمتهم أطفال ونساء وكبار سن ومرضى مع إعطاء المحبوسين حقهم الكامل فى الدفاع عن أنفسهم.
ودشنت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات مع ارتفاع أحكام الإعدام الجماعية بحق معارضي النظام فى مصر، فى مارس الماضي حملة إلكترونية على موقع "أفاز" بهدف جمع مليون توقيع لإلزام المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة بتقديم طلب للسلطات المصرية لوقف تنفيذ أحكام الإعدامات الصادرة بحق المعارضين المصريين منذ أحداث الثالث من يوليو 2013 حتى اليوم.
1763 إحالة للمفتى فى قضايا سياسية منذ يوليو 2013 وبحسب تقرير عرضته حملة "إعدام وطن" فإنه منذ 3 يوليو 2013 وعزل الرئيس السابق محمد مرسي، أصدرت المحاكم المصرية 1763 قرار إحالة للمفتى لأحكام الإعدام وهى الخطوة التي تسبق النطق بالإعدام وهو ما حدث فى 32 قضية، وأسفر ذلك عن 729 حكمًا بالإعدام فيما لم تصدر بقية الأحكام بعد, ونفذت من هذه الأحكام 7 حالات بالإعدام فى قضيتين مختلفتين بينما ما زال هناك 441 حكمًا بالإعدام فى انتظار قبول أو رفض الطعون المقدمة من هيئات الدفاع.
ويتم تصنيف المحالين للمفتى وفقًا للنوع شملت أحكام الإعدام 1758 من الذكور و5 سيدات, وتصنيفهم حسب الوضع القانوني 4 مصريين توفوا داخل أماكن الاحتجاز بعد قرار إحالتهم إلى المفتى, و17 مصريًا لم يصدر لهم حكم بعد, و23 تمت إدانتهم بحكم غير الإعدام ولم ينظر الطعن بعد, و494 تم تبرئتهم ثم تم قبول النقض ضد حكم البراءة وإعادة محاكمتهم, و496 تمت إدانتهم بغير الإعدام ثم قبول النقض وإعادة المحاكمة, و729 حكمًا بالإعدام.
ودعت حملة "إعدام وطن"، فى بيان لها لتدشين موجة احتجاجات دولية لمناهضة أحكام الإعدام السياسية فى مصر، تبدأ أكتوبر الجاري تحت شعار "أوقفوا الإعدام فى مصر"، ويتم خلالها تنظيم فعاليات ومؤتمرات دولية وحملات إلكترونية ووقفات أمام الهيئات والسفارات المعنية فى كل دول العالم، لمناشدة المجتمع الدولي بالضغط على السلطات المصرية لوقف الإعدامات السياسية.
وناشدت الحملة كل المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، والنشطاء الحقوقيين، والرموز السياسية الوطنية، وقيادات العمل الحزبي والطلابي والحركات السياسية والثورية والشبابية، إلى مراسلة المنظمات الدولية المعنية كمنظمة الأممالمتحدة وغيرها، لدعم التوجه الرافض لتلك الأحكام المسيسة، والمشاركة مع أي حراك داخل أو خارج مصر يطالب بوقف تلك الأحكام.
وأبدت "إعدام وطن" استعدادها التام للتفاعل مع أي مبادرات تتسق مع هذا الهدف وتقديم الدعم اللازم لنجاحها. ومن جانبها طالبت فجر عاطف عضو بحركة الصحفي الأسير ومنسق بحملة إعدام وطن, فى تصريح خاص ل"المصريون" بالحرية للصحفيين المعتقلين المحكوم عليهم بالإعدام وكل من حكم عليه بهذه العقوبة, حيث هناك الصحفي وليد شلبي الكاتب فى صحيفة الجيل السعودية والمجتمع الكويتية ورئيس قسم الشئون الدينية فى جريدة الحرية والعدالة, وهو أول صحفي يحكم عليه بالإعدام فى العصر الحديث وتم اعتقاله فى نوفمبر 2014"، مشيرًة إلى أن شلبي تعرض للتعذيب داخل سجن العقرب وحكم عليه بالإعدام فى قضية غرفة عمليات رابعة ونقضه سيتم نظره فى خلال أيام".
وقالت فاطمة سيد والدة الطالب محمود ممدوح وهبة فى كلية الهندسة جامعة المنصورة: "ابني حكم عليه بالإعدام, كان ينوى الحصول على نوبل فى الفيزياء وهو عمره 25 سنة حتى يصبح من أوائل المسلمين صغار السن الذين يحصلون عليها, وكان حكم الإعدام فى 7 سبتمبر 2015 هو المكافأة التي تمنحها مصر له, حيث إنه اتهم فى قضية قتل حارس القاضي فى المنصورة حيث تم اعتقال أكثر من 24 طالبًا ومهندسًا وطبيبًا أريد أن أعرف لماذا يعدمون الشباب؟ هل لأنهم متفوقون؟ هل لأنهم حملة لكتاب الله؟, من سوف يدير البلد بعد ذلك بعد أن اختطف خيرة أبنائها؟".
الدكتور هاني الصادق رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للحقوق والحريات قال: "إن أحكام الإعدامات التي تصدر مؤخرًا فى مصر لاسيما على بعض الأشخاص الذين يعتبرون خصومًا للنظام, سياسية من الدرجة الأولى، مشيرًا إلى أن الفترة الحالية لن تشهد البلاد فيها استقرارًا فى الأوضاع السياسية فى ظل الإخلال الجسيم فى حق هيئات الدفاع فى القضايا المتهم فيها سياسيون أو نشطاء, حيث يمنع القضاء المحامى من إبداء رأيه أو الدفاع عن المتهم, ما يشير إلى أن أحكام القضاء باتت مسيسة وتستند إلى تصفية الحسابات من منطلق النظام الحاكم يعارض خصومه.
وتابع الصادق، فى تصريح ل"المصريون": "إن الإرهاب الحالي فى مصر من السلطة القضائية لأنها عندما تصدر أحكامًا مسيسة, هوائية يترتب عليها أعمال عنف وخروق للقانون ولا يحترم المواطن القانون والقضاء لأن الأحكام نفسها خارجة عن إطار القانون والدستور".
ومن جهة فقد أكد الدكتور صلاح سلام عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن أحكام الإعدام المصدرة مؤخرًا لن تنفذ جميعها بل هم 7 أشخاص فقط فى قضية عرب شركس أي تكاد تكون أقل من 1%, أحكام الإعدام ليست الأخيرة بل هناك نقض أو إعادة للمحاكمة لأن معظمهم يصدر بحقهم أحكام غيابية".
وأضاف سلام، أن عدد الإعدامات الهائلة مؤخرًا لا تجنى سوى هجوم شديد من منظمات ومجالس حقوق الإنسان والدول الأجنبية وسخط العالم على مصر حيث يعتبروننا الدولة التي تعدم فقط وكأن القضاة "جزارين" ولا تنظر لباقي التفاصيل هل حدث نقض أو صدرت أحكام غيابية دائمًا "النظرة الأولى تدوم", وتتم محاربتنا من الخارج والداخل وتتم صياغة الصورة السيئة وترويجها فى الخارج بأن مصر ديكتاتورية. ولفت إلى أن حكم الإعدام لا يمكن إلغاؤه, حيث وقعت مصر فى اجتماع جنيف مع 50 دولة أخرى على إقرار حكم الإعدام لأن من "قتل يقتل", فعقوبة الإعدام هى أحد مصادر الشريعة الإسلامية لا يجوز إلغاؤها بنص قرآنى، قائلًا: "لا نستطيع الجزم بأن أحكام الإعدام مسيسة فى هذه الفترة ,لأننا لسنا القضاة فهذا يعد تشكيكًا فى ذمة القضاة وضمير القاضى لا يحاسبه عليه إلا ربه، كما أن إعادة محاكمة بعض المحكوم عليهم بالإعدام هذا دليل على وجود العدالة لدى قضاة مصر وهناك سبل أخرى يلجأ إليها القاضى فى صدور الحكم حتى وإن تم النقض أكثر من مرة والأحكام تختلف بين قاض وآخر هناك من يحكم بالأقصى من المسموح وآخر بالحد الأدنى, فالأحكام ليست مسيسة بل هناك قاضٍ أحوط وآخر أقل حوطة".
وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: "إنه تم إهدار العدالة, غابت كل معايير المحاكمة العادلة عن كل القضايا التى صدرت بشأنها أحكام مؤخرًا, فالدولة تكيل كل القضايا فى المحاكم بمكيالين, وأصبحت كل القضايا المطروحة الآن فى المحاكم مسيسة, المناخ السياسى والاجتماعى للبلد لا يتحمل عقوبات صادمة مثل الإعدام".