مازالت الأوضاع في ليبيا تتسم بعدم الاستقرار، ويبرز الوضع الأمني الهش كمسبب أساسي لهذه الوضعية، وما يترتب عليها من تعطيل لعجلة الاقتصاد و تطورالعملية السياسية في البلاد. حتى الآن لم يتكون جيشًا وطنيًّا بشكل رسمي، كما أن الحالة الأمنية صار بقبضة جماعات مسلَّحة تبدو أنها التحدي الأول لسيادة هذا الأمن في الأراضي الليبية. صحيحٌ أن الحكومة الانتقالية وضعت خططًا لاستيعاب خمسين ألفًا من المقاتلين السابقين في المدى المنظور، مائتي ألف على المدى البعيد، إلا أنها تنفيذها في كل الأحوال لن يكون قريبا. كانت آخر حلقات مشهد عدم الاستقرار في ليبيا هو المعركة بالأسلحة النارية التي وقعت بالقرب من مطار طرابلس الدولي وجرح فيها خمسة أشخاص بين مقاتلين ينتمون للجيش الوطني الوليد و مقاتلين منتمين لمجموعة مسلحة ينتمي أفرادها لمدينة «الزنتان» غربي العاصمة الليبية. وعلى الرغم من الروايات المتباينة في سرد سبب الاشتباك إلا أن دلالاتها واضحة: وهي أن الحكومة المركزية وأجهزتها الأمنية الضعيفة ليست هي صاحبة القول الفصل فيما يخص الترتيبات الأمنية، وأن الأمرأصبح خاضعًا للتنافس بين جماعات مسلحة تتحرك وفق رؤيتها الخاصة. عناصر المعادلة الأمنية القائمة في ليبيا الآن تتمثل في مجموعات مسلحة تبرر وجودها بالوضع الأمني الهش والفراغ الذي تخلفه أجهزة الأمن الحكومية الضعيفة، وقبل ذلك شرعية مشاركتهم في إسقاط القذافي، وفي المقابل نجد أن المجلس الوطني الانتقالي وحكومته بقيادة رئيس الوزراء «عبد الرحيم الكيب» تسعى إلى إبعاد هذه المجموعات عن المدن من خلال دمجهم في أجهزة أمنية لا يبدو أن بناءها يسير بوتيرة تسعف الأوضاع وتطورها في البلاد، و ترفع ضجر الناس وخاصة أهل طرابلس من السلوك غير المنضبط للمجموعات المسلحة في المدينة. أغلق محتجون عدة طرق في طرابلس في وقت سابق هذا الشهراعتراضا على تجاوزات المجموعات المسلحة القادمة من خارج المدينة إبان تحريرها من قوات القذافي، مطالبين بسحب المقاتلين الذين ينتمون إلى مناطق أخرى بالبلاد من العاصمة. يؤشر هذا إلى حجم الغضب لدى سكان المدينة من آثار استمرار تواجد المسلحين في شوارعها؛ الأمر الذي دفع الحكومة الليبية المؤقتة إلى إمهال هؤلاء المسلحين القادمين من مناطق مختلفة وما زالت في العاصمة حتى أواخر ديسمبر لتسليم الأمن والعودة إلى مناطقها. وحذَّر رئيس المجلس المحلي لطرابلس من أنه إذا لم ترحل المجموعات المسلحة بحلول ذلك اليوم فسيغلق أهالي العاصمة والحكومة الليبية المدينة بأكملها أمام حركة المرور. على أية حال لم يذكر رئيس المجلس كيف تسعى الحكومة الانتقالية إلى إقناع الرجال المسلحين بالمغادرة، وماهي الخيارات المتاحة في حالة رفضهم لذلك . ولكن في كل الأحوال من غير المتوقع أن يذعن المقاتلون لهذا التوقيت، ليس فقط لأن كل مجموعة ترى في خروجها من المدينة إتاحة فرصة لمجموعة أخري منافسة، ولكن لأن الحكومة ليس لديها بديل واضح وسريع. مشكلة هذا الوضع الأمني أنه يفاقم من حالة «اللايقين السياسي» للمرحلة الانتقالية في ليبيا، فضعف الوضع الأمني فضلا عن الخلافات السياسية؛ يؤدي مباشرة إلى عرقلة بناء نظام سياسي وحكم جديد يلبي حاجات الليبيين.