قال الكاتب الصحفى فهمى هويدي، إن جثة إيلان الكردى ابن السنوات الثلاث التى لفظها البحر على شاطئ مدينة بودروم التركية فتحت الأعين على بشاعة الجريمة الكبرى التى ترتكب بحق الشعب السورى منذ أكثر من أربع سنوات. وأوضح هويدى فى مقال له نشره موقع الجزيرة، أن عبقرية الصورة أوصلت للكافة ما لم توصله نشرات الأخبار التى تحدثت عن قتل أكثر من ربع مليون سورى وتشريد 12 مليونا، سجلت دفاتر مفوضية اللاجئين منهم أربعة ملايين، مشيرا إلى أن أصداء الصدمة تجاوزت ما جرى حين قتل الإسرائيليون الطفل محمد الدرة وهو فى "حضن أبيه عام 2000". وأكد هويدى، أن هناك العديد من جثث الأطفال التى تموت يوميا ولكنها لا تحدث ذلك الصدى الذى روّع الأوروبيين واستنفرهم وهو ما حدث أثناء إحدى غارات إسرائيل التى شنتها على القطاع صيف 2014، فقتلت أربعة أطفال وليس طفلا واحدا، كانوا يلعبون على الشاطئ. وأيضًا يحدث مع أطفال اليمن الذين أصبحوا يقتلون كل يوم ويدفنون تحت الأنقاض ويتحولون إلى أشلاء وجثث مشوهة من ذلك القبيل الذى اعتادت أعيننا رؤيته فى العراق وغيرها. وعبر هويدى عن اندهاشنا من فزع الغرب ونحن الذين ألفنا الموت وتكيفنا مع القتل حتى غدت الجنازات طقسا شبه يومى فى عواصمنا، وكان مثيرا للانتباه أن إعلامنا اهتم برد الفعل الأوروبى أكثر من اهتمامه بالفعل والجريمة الأصلية، فتابع الضحايا ومعاناتهم فى حين نسى القاتل الذى لا يزال يمطر الضحايا بالبراميل المتفجرة. وأشار إلى استغرابه من عنوان نشرته إحدى الصحف المصرية يقول "صورة الطفل السورى الغريق تحرج أوروبا" خاصة بعدما دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية إسحاق هيرتروج حكومة بلاده إلى فتح حدودها أمام اللاجئين السوريين مثلما بابا الفاتيكان فرنسيس والذى دعا أديرة أوروبا لفتح أبوابها لاستضافة اللاجئين، بالإضافة إلى موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التى قادت الدعوة إلى احتضان اللاجئين واتفقت مع النمسا على أن يفتح البلدان حدودهما لاستقبال أعدادهم المتزايدة، كما قادت مع الرئيس الفرنسى هولاند الدعوة إلى وضع خطة للتعامل مع قضية اللاجئين بنزاهة ومسؤولية، بحيث يتم توزيعهم على دول الاتحاد الأوروبى وفقا لحصص إلزامية، قائلا: "ظل الخجل يلاحقنى حين قرأت قائمة النجوم والمشاهير الغربيين الذين أعلنوا تضامنهم مع اللاجئين". كما عبر هويدى، عن استيائه من موقف الجامعة العربية التى يرى أنها غدت نموذجا يجسد انهيار النظام العربى وإفلاسه؛ ذلك أننا إذا اعتبرنا أن أزمات المنطقة حاضرة فى قلب ملف المهاجرين، فسوف يلفت أنظارنا أن الأممالمتحدة هى التى حاولت حل تلك الأزمات، وأن الجامعة العربية خارج الصورة تماما فمبعوثو الأمين العام هم الذين يحاولون التوسط فى البحث عن حلول فى سوريا وليبيا واليمن. وقبل ذلك نفض النظام العربى يده من القضية الفلسطينية وترك ملفها للجهود الدولية ومفاوضات القاتل مع القتيل، وهو ما أعطى انطباعا قويا بأن مستقبل العالم العربى أصبح خارج اهتمامات الجامعة العربية أو حتى الحكومات العربية. وفى مقاله أيضًا تحدث هويدى، عن تقرير مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتى أكدت أن أكثر من 300 ألف شخص عبروا البحر المتوسط هذا العام، وأن ما بين 2500 و3500 غرقوا فى البحر. وأضاف بيان المفوضية أنها وشركاؤها طالبوا بتوفير 5.5 مليارات دولار لإغاثتهم، وحتى آخر شهر يونيو الماضى تم توفير ربع المبلغ المطلوب، وهو ما يعنى استقطاع الدعم الغذائى للاجئين وصعوبة توفير الخدمات الإنسانية المقدمة إليهم. وتابع هويدى، أنه فى مواجهة زحف اللاجئين نحو أوروبا تحركت المفوضية الأوروبية واقترحت توزيع أعدادهم على الدول الأوروبية وأمرت حكومة المجر ببناء جدار بارتفاع أربعة أمتار على طول الحدود مع صربيا للحيلولة دون دخول اللاجئين إلى أراضيها وأعلنت بولندا أنها سوف تستقبل فقط المسيحيين دون غيرهم. وأكد أنه لا مفر من الاعتراف بأن أزمة اللاجئين جاءت كاشفة لحقيقة الموقف العربي، وفاضحة لكل ادعاءات التضامن والعمل المشترك الذى يتمسح به البعض هذه الأيام، قائلا: "إذا جاز لى أن أستخدم الشعار المرفوع فى لبنان، فلعلى أقول إن "الريحة" التى طلعت ليست لبنانية فحسب، لكنها عربية أيضًا وبامتياز". أستثنى من ذلك النادى الأهلى المصرى الذى وافق على إقامة مباراة فى كرة القدم مع نادى بايرن ميونيخ يخصص عائدها لصالح اللاجئين، وكذلك دعوة لاعب الأهلى وليد سليمان إلى التضامن معهم وتبرعه بمبلغ خمسين ألف جنيه لافتتاح الحملة، وإعلان رجل الأعمال نجيب ساويرس عن رغبته فى شراء جزيرة فى البحر الأبيض لإسكان اللاجئين فيها، ولم يُعرف ما إذا كان المشروع استثماريًا أو إنسانيًا. وتساءل هويدى: لماذا يأتى العرب إلى بلاد "الكفار" طلبا للنجاة بدلا من الاتجاه إلى دول الخليج؟ قائلا إنه فى الرد على السؤال تراوحت الإجابات بين مؤيدين له، ومذكرين بأن الخليج لم يقصر فى دعم مجتمعات الصراعات التى خرج منها اللاجئون، بحيث لا يستطيع أحد أن يزايد على دوله فى الدور الذى تقدمت به لمساندة الأشقاء العرب. وزعم هويدى، أن السؤال له وجاهته، وأن دول الخليج كان بوسعها أن تغطى النقص الفادح فى الموارد المالية اللازمة لإغاثة اللاجئين، فإننى أرى أن المشكلة عربية أكثر منها خليجية؛ أعنى أنه حين تغيب دول الصف الأول "الكبرى"، وتنكفئ على ذاتها، مستغرقة فى صراعاتها الداخلية، وحين لا نرى للجامعة العربية أثرا أو وجودا من أى نوع فى مختلف قضايا المصير العربي، فإننا لا نستطيع أن نخص باللوم دول الخليج دون غيرها.