· الحكومة تفسح الطريق ل"سوفالدى" وتعطّل تسجيل أدوية أكثر أمانًا · "الصحة" تتجاهل توصيات الجمعية الأوروبية للكبد وتعتمد كورس علاج يسبب السرطان · شبهة إهدار المال العام فى تعاقد الحكومة مع شركة السوفالدى الإسرائيلية "جلعاد" · "أوليسيو" البديل الآمن ب 10 آلاف جنيه.. الحكومة تعطل تخفيضه.. ولواء شرطة: منعوه عني · اتهامات للجنة الفيروسات القومية بالانحياز لشركة "سوفالدي" على حساب صحة المصريين · استثناءات وزارية لأصحاب الشركات الكبرى بالأمر المباشر
لا شيء أكثر بؤسًا من أن نتعلق فى حبال نرى ونعرف أنها مهلهلة، ولكن تدفعنا غريزة البقاء إلى أن نرفض تفويت الفرصة مهما بدت درجة المغامرة فيها هائلة، وتصورها لنا آلامنا وهمومنا كمنقذ طيب سقط من السماء لينقذنا فما أن يقترب حتى نعرف أننا مخطئون للغاية .. هذا ما سيجول بخاطرك بعد قراءة هذا التحقيق إن صادفت يوما أحد طوابير المرضى أمام وحدات ومستشفيات ولجان الكبد التابعة للهيئة العامة للتأمين الصحي، فهم رغم تعبهم الشديد وحرارة الجو المرتفعة يقفون بالساعات لاقتناص فرصة علاج روجت عنها الحكومة وشركات الأدوية باعتبارها استثنائية ولا تتكرر للتخلص من فيروس "سي" نهائيا، ورغم أن أعداد المرضى لم تعد تتزايد كما كانت فور الإعلان عن "سوفالدي" بسبب ظهور حالات انتكاسات كثيرة وصلت إلى الوفاة فى بعضها، إلا أن المرضى وذويهم لازالوا يتعلقون ب"القشة" التى ستنقذهم من الفيروس اللعين وتخلصهم من متاعبه ومشاكله، غير مدركين أو مهتمين بحقيقة الدواء الذى يُصرف معه "سم قاتل". ورغم أن دراسات أجنبية، أكدت أن نسب الانتكاسات المصاحبة ل"سوفالدي" فى مصر وصلت إلى 30%، فقد تباينت النسب المعلن عنها رسميًا إلى أن أعلن الدكتور محمد عز العرب استشارى الكبد ورئيس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد ،ارتفاعها إلى 20% بعد أن كانت 10% ثم 15 %، وهو ما يشير إلى أنها ستأخذ فى الزيادة خلال الفترة المقبلة . وأشارت مصادر طبية، إلى أن هناك خطأ متعمدًا يرتكب بحق المرضى خلال خضوعهم إلى كورس العلاج، حيث أوصت الجمعية الأوروبية للكبد فى جميع بروتوكولات الفيروسات باستخدام "سوفالدي" مع الأدوية الحديثة مثل "أوليسيو" الذى تنتجه شركة "جنسن" الدنمركية بدلا من "إنترفيرون" للحصول على نتائج شفاء عالية ونهائية وتقضى على أى احتمالية لحدوث انتكاسات، إلا أن وزارة الصحة لازالت تعتمد عليه دون مراعاة فى أحيان كثيرة لحالة المريض وما تشير التحاليل الطبية إليه من أمراض تمنع معالجته ب" إنترفيرون" . وأوضح صيادلة وأطباء، أن الوزارة بدلاً من أن تطبق توصيات الجمعية وتحذيراتها، اعتمدت طريقة غريبة فى العلاج بحيث تخضع المريض الممنوع من المعالجة ب"إنترفيرون" إلى كورس علاج ب"الريبافيرين" وتقوم بمد فترة العلاج من ثلاثة أشهر إلى ستة، مؤكدين أن هذه الطريقة خاطئة ولم تعتمد فى أى مكان فى العالم ولا تستخدم سوى لاستمرار تعطيل تصنيع أدوية أخرى أكثر أمانا وفعالية من "سوفالدي" لأسباب غير معروفة . خلال إجراء التحقيق، أكدت مصادر مسئولة عن تسجيل الأدوية بوزارة الصحة، أن هناك لا شك صفقة تم خلالها الاتفاق مع شركة "روش" السويسرية لبيع "الإنترفيرون" الذى تنتجه إلى جانب بيع سوفالدى الذى تنتجه "جلعاد" الأمريكية ذات الأصول الإسرائيلية، وهو ما يعيد إلى الأذهان صفقة "التاميفلو" الذى باعته الأولى للثانية لتقوم بتسويقه فى الدول النامية للعلاج من فيروس أنفلونزا الخنازير، وقد ثبت عدم فعاليته وجدواه فى ذلك بعد التعاقد عليه فى فترة تولى الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة الأسبق . وتشير مصادر بحثية ومستندات حصلت "المصريون" على نسخة منها، إلى أنه تم الإعلان عن "سوفالدي" فى ديسمبر من عام 2013، بينما تم الإعلان عن "أوليسيو" قبل ذلك بشهر، وهو المعروف بأعراض جانبية وتكلفة أقل ورغم ذلك تعاقدت الحكومة على الأول بكميات كبيرة ولا تسمح بصرف الثانى بسهولة نظرًا لكمياته المحدودة وثمنه الباهظ الذى يصل إلى 10 آلاف جنيه للعبوة، وهو ما يسمح بحسب شهادة المرضى والأطباء والصيادلة بتدخل كبير للوساطة والمحسوبية لتلقى العلاج، مطالبين بوضع معايير أو ضوابط تسمح للممنوعين طبيا من تلقى الإنترفيرون بصرف الأوليسيو مع السوفالدى بدلاً منه . ويقول الدكتور هشام الخياط أستاذ الكبد والجهاز الهضمي، إن هناك بالفعل أعراضًا جانبية للسوفالدى لكنها لا تزيد على الأرق وصداع بسيط وأحياناً إسهال أما باقى الأعراض الجانبية الخطيرة والانتكاسات فتأتى نتيجة العلاج بالعقاقير المساعدة مثل "الإنترفيرون"، موضحًا أنه يسبب اختلال والتهاب مناعى وارتشاح بالشبكية إلى جانب تكسير كرات الدم الحمراء والصفراء بالدم والتهاب الحلق والجلد، إلى جانب أنه يسبب خللاً شديدًا فى الجهاز المناعى مما يسبب زيادة الخلايا السرطانية . ونصح الخياط، باستخدام "أوليسيو" مع "السوفالدي" لتلاشى هذه الأعراض وتجنب الانتكاسات، وهو ما استجابت له الوزارة ولملايين الصيحات والدعوات إلى وقف استخدام الإنترفيرون، إلا أنه فى ظل الكميات المحدودة للدواء الأفضل وتكلفته العالية لا يجد المرضى البسطاء بديلا عن انتكاستهم وأعراض الدواء الجانبية الخطيرة . واحد من النماذج التى تؤكد خطورة استخدام الإنترفيرون مع سوفالدى توضحه حالة "محمد عادل" الذى حمل المسئولين فى مصر مسئولية تدهور حالة والده التى استمرت بعد إنهائه كورس علاج السوفالدى مع الإنترفيرون وانتهت بوفاته منذ أيام ، حيث كتب على صفحة مناهضة للدواء على فيسبوك: أبى ضحية للسوفالدي، اليوم توفى أبى وكان يأخذ السوفالدى المصرى وعندما بدأ فى تناوله أخذت حالته تتدهور تدريجيا إلى أن وصلت إلى حالة "ليمفوما" وهى نوع من السرطان تدهورت صحته أكثر معها إلى أن وافته المنية . وأضاف: أكد الدكتور المعالج أن الإنترفيرون ضرب المناعة وتطورت أورام فى الغدد الليمفاوية ونشطت وانتشرت فى الجسم إلى أن وصلت للرئة وأخذ السائل يتراكم فى الرئة وتسبب فى صعوبة التنفس إلى أن توفى صباح اليوم، أنا قولت أحكى الحالة كلها عشان الناس تفهم إنهم بيجربوا فينا . ( م.أ) مريض بفيروس سى ويسعى لحجز دوره فى العلاج على نفقة الدولة ب"سوفالدي" يقول: أعرف وأنا أحاول الحصول على فرصتى فى العلاج أننى سأتلقى دواء خطير وقد يقتلنى كغيري، لكننى لا أملك ثلاثين ألفًا لأشترى الدواء الذى ينصح به الأطباء والمتخصصون، الدولة لا تصرفه إلا لأصحاب الوساطات والقادرين رغم أنه "من حق الغلابة اللى زيي" . أما لواء الشرطة ( م.و) فقد تعرض لصدمة شديدة حين اكتشف عودة شرسة للفيروس بعد انتهاء كورس العلاج الخاص به ب"سوفالدي" بثلاثة أشهر، حتى أنه قرر أن يجرى التحاليل لأكثر من مرة فى أماكن مختلفة، وفى كل مرة يكتشف نسبة وجود الفيروس فى زيادة مرعبة. وبعد استشارات طبية، توجه اللواء إلى مستشفى الشرطة وحاول الاستفهام عن حقيقة حالته وسبب انتكاسته وعودة الفيروس أقوى مما كان، وهنا عرف بالصدفة عن وجود دواء "الأوليسيو" داخل المستشفى والذى تم صرفه له بعد أن ثار واتهم الأطباء بارتكابهم جريمة حين عالجوه بالإنترفيرون .
أما "أحمد العشماوي"، فهو صاحب أول بلاغ بشأن كورس السوفالدى الحالى على مكتب النائب العام، فقد طالب بالتحقيق الفورى مع المسئولين الذين حددوا منظومة علاج فيرس سى بالسوفالدى متخيلا أن سبب انتكاسته هو أن مدة العلاج لا تكفي، مشددًا على ضرورة تحويل أعضاء اللجنة المشرفة على العلاج إلى محكمة الجنايات بتهمة إهدار المال العام. وقال "العشماوى": على مدار 3 أشهر كاملة تلقيت العلاج الثلاثى المدعم بالسوفالدى وبعد شهر من تناول الدواء شعرت بتحسن وقمت بإجراء تحليل وجاءت النتيجة سلبية يعنى اختفاء الفيرس، لكن بعد انتهاء العلاج بعد فترة الثلاثة أشهر ذهبت لإجراء تحليل، فجاءت النتيجة إيجابية وعاد الفيروس نشيطا مرة أخرى، وقال لى الطبيب الذى أتابع معه ليس هناك حلا سوى انتظار الدواء جديد". على جانب آخر، يصيب الأطباء حاليًا حالة من الذعر بسبب انتكاس مرضاهم وتدهور حالاتهم بعد أن توهموا شفائهم تماما بثلاثة أشهر فقط، حيث باتوا ينصحون المرضى بمحاولة العلاج بدون إنترفيرون والحصول على الأوليسيو، أو الانتظار حتى نزول دواء "هارفوني" الذى أعلنت عنه شركة جلعاد صاحبة "السوفالدي" كذلك، والذى أعرب الدكتور وحيد دوس رئيس اللجنة العليا لمكافحة الفيروسات الكبدية بوزارة الصحة عن تحمسه الشديد له عقب الإعلان عن التعاقد عليه . يقول الدكتور حمدى الغنيمي، إن نتائج تحاليل مرضاه الذين يتلقون علاج السوفالدى صادمة، ففى أسبوع واحد انتكس خمسة من أصل 13 مريضًا يشرف على علاجهم من فيروس سى ، مؤكدًا أن هذه النسبة كبيرة ومفزعة ولا تمت للنسب العالمية بأى صلة. وتثير كواليس العلاج الثنائى والثلاثى المتضمنة للإنترفيرون عددًا من الأسئلة، إذ لماذا تعاقدت الحكومة على "سوفالدي" التابع لشركة "جلعاد" والمعروفة ب"جلياد" منعًا لإثارة الريبة فى أصولها الإسرائيلية وكان فى الوقت نفسه قد تم الإعلان عن "أوليسيو" التابع لشركة "جنسن" الدنماركية وهو الأقل تكلفة والأفضل من حيث الأعراض الجانبية وحالات الحظر الطبية، ما يشير إلى شبهة استغلال مادى لأوجاع المواطنين المصريين ومرضهم، وكذلك إلى تخطيط جهنمى على مستوى عال لاستنزاف المواطن المصرى صحيا وماديا فى محاولة لزيادة فترة العلاج التى يزيد معها بالطبع المقابل المادى الذى يدفعه . تقول مصادر بتسجيل الدواء، إنه كان يمكن الاستغناء عن الإنترفيرون والاتفاق على أوليسيو لمنع الانتكاسات، أو أن يتم انتظار"هارفوني"التابع للشركة نفسها والذى ثبت أنه الأفضل فى علاج أمراض الكبد إلى جانب أنه كان سيقلل تكلفة السوفالدى التى وصلت إلى 550 مليون جنيه بحسب وزارة الصحة إلى الثلث، مما يشير كذلك إلى شبهة إهدار المال العام قد يخضع المسئولون عنها إلى التحقيق يوما ما . وعلى الرغم من تعاقد الحكومة على "هارفوني" المستورد، إلا أنه سينزل إلى السوق بسعر باهظ بسبب عدم توافر المثيل المصرى له وتعطيل مستمر من الإدارة المركزية لشئون الصيدلة لتسجيله تماما كما هو الحال مع الأوليسيو، وذلك فى مخالفة لقرار التسجيل السريع الذى يقضى بسرعة تسجيل أودية فيروس سي، وهو ما تم فعلا مع "سوفالدي" الذى تم تسجيله فى سنة واحدة بدلا من ثلاث سنوات، فلصالح من يتم إفساح كل الطرق لدواء ثبت أنه ليس الأفضل وأن طريقه العلاج به تؤدى إلى انتكاسات وصلت إلى الوفاة فى بعضها؟ بينما توضع عراقيل لا معنى لها أمام غيره رغم التأكيد على أفضليته من منظمات وجهات طبية دولية. ربما يجيب عن هذه الأسئلة ما يضج به سوق الدواء فى مصر من صراعات بين الشركات على تسجيل الأدوية واحتكارها، وهى ما تقترن للأسف بتسهيلات يقول أبناء السوق من أطباء وصيادلة أن الوزارة تقدمها ل"حيتان" الأدوية وتبرم معهم اتفاقات غير مباشرة بشأنها، وهو ما يتردد معه اتهامات موجهة إلى اللجنة القومية للفيروسات بالانحياز لشركة "جلعاد" الأمريكية ذات الأصول الإسرائيلية والاعتماد على الأدوية التى تقوم بطرحها بغض النظر عن جودتها ومدى ملاءمتها لحالة الفيروس داخل مصر مقارنة بغيرها . تقول ( ن ، ع ) الموظفة بإدارة التسجيل فى وزارة الصحة سابقا، إن الفساد فى الإدارة للركب، وأن الإدارة تتم السيطرة عليها من أصحاب الشركات الكبيرة بمعرفة مسئولين بالوزارة وبالاتفاق معهم ، وأوضحت أنه تم عرض رشاوى عليها من أجل تزوير أوراق خاصة بالتسجيل وتمريرها لصالح شركات أدوية رغم عدم استيفائها لشرط التسجيل إلا أنها رفضت وأصابها خوف شديد بعد أن اضطرت ذات مرة لاستلام هدية باهظة الثمن وتوصيلها لرئيس القسم وقد فهمت وقتها أنها رشوة، فطلبت نقلها إلى إدارة أخرى بعيدة عن التسجيل، مشيرة إلى واقعة ضبط مدير إدارة الشئون القانونية بالإدارة المركزية لشئون الصيدلة التابعة لوزارة الصحة أثناء تقاضيه مبالغ مالية على سبيل الرشوة من صاحب إحدى الصيدليات بمركز فرشوط بمحافظة قنا . فبحسب مصادر، تحدثت إليها "المصريون"، يسمح قانون الدواء فى مصر بتصنيع 12 شركة فقط للمثيل المصرى لأى دواء، إلا أن وزارة الصحة سمحت بزيادة عدد الشركات إلى أكثر من 20 شركة تقوم بتصنيع "سوفالدي" بالأمر المباشر وعن طريق استثناءات وزارية حصلوا عليها، وعلى رأس هذه الأسماء المعروفة "مكرم مهنا" صاحب شركة جلوبال نابى المصنعة لحقن ترجيع الأطفال الناقصة بالسوق حاليا، "أحمد العزبي" صاحب صيدليات العزبى وعضو مجلس إدارة شركتى ( مالتى أبيكس وإيه ى وجى )، بالإضافة إلى شركة "فاركو" المملوكة ل" شيرين حلمي" والذى نجح فى الحصول على مكانين بجدول المثائل لتسجيل الدواء فى شركتيه (الأوربية و العامرية) وتصنيع المثيل المصرى منه . من جانبه، قال إسلام محمد، الصيدلى ومندوب تسجيل الأدوية بوزارة الصحة، إنه يجب الحذر من التعامل مع أدوية وعقاقير شركة "جلعاد" صاحبة دواء السوفالدي، إذ أنها ليست من الشركات العملاقة فى مجال تصنيع الأدوية ولا تحمل براءة اختراع للدواء، كما أن 50% من أسهمها يمتلكها وزير الدفاع الأمريكى الأسبق فى حكومة جورج بوش "دونالد رامسفيلد"، ورئيس وزراء المملكة المتحدة السابق طونى بلير، زوجة جون مكين مرشح الرئاسة الأمريكية 2008 "سيندى مكين"، ووليام موريس المحقق بمكتب التحقيقات الفيدرالية، بينما هناك شبهات حول أصول إسرائيلية للشركة أثارتها عضوية أحد ضباط الإسرائيليين لمجلس إدارة الشركة . وأضاف صاحب أكبر حملة مضادة للإنترفيرون حاليًا: لو أنهم فعلا يريدون معالجة المصريين بأسعار مخفضة وبطريقه صحيحة، لكانوا أعطوا لمصر الهارفونى بمجرد طرحه بالخارج كما حدث مع السوفالدى، ولكنهم يؤخرون توريده لصالح أهداف مادية تتعلق بزيادة مبيعات حقن الإنترفيرون فى مصر وكذلك من ينتكس من السوفالدى والإنترفيرون سيعود إليهم مرة أخرى ليشترى ست علب هارفونى بدلا من ثلاث لأنه منتكس ويحتاج لكورس علاجى مدته ستة أشهر وليس ثلاثة كمن لم يسبق له العلاج وفشل .