آفة أي بلد هي الفساد، عندما يكون نظيفاً من الفساد فلن يكون بحاجة لقروض ولا مساعدات، ولن يواجه مشكلات تمويل، ولن يظهر عجزاً في الموازنات حتى لو كان فقيراً، قليل من الموارد يكفي لبناء تنمية بجهود ذاتية. الفساد هو العدو الحقيقي للحكومات، مقتل أي حكومة تريد أن تكون شريفة هو في الفساد الكامن لها، وعندما تتورط الحكومات وتسقط في مستنقع الفساد فإن العدو يتحول إلى صاحب ويجد حضناً آمناً ينام فيه ويترعرع ويتغول ويصعب إن لم تستحيل محاربته، فقد صار من أهل البيت، بل البيت نفسه، بيت الفساد ومكمن الفاسدين. أرى العراقيين وهم يواجهون الموت من كل ناحية فيرق قلبي على كون الموت يتخطفهم منذ عقود، كلهم معرضون للموت الرحيم والشنيع، منذ أن وقعوا أسرى انقلابات متوالية، وحكام مغامرون بعضهم يشتهي دماء البشر، وكانت أكبر كذبة في تاريخ هذا البلد أن الأمريكان دخلوا بغداد ليس لاحتلالها ولا إذلالها إنما لتحريرها من الطغيان وبناء نموذج الديمقراطية على الوصف الأمريكي ليكون العراق الجديد مشعل الحرية المضيء في أرض الشرق الأوسط القاحلة المعتمة من ذرة حرية وعدالة، الكذبة انكشفت سريعاً، وثبت أن العراق في عهد الأمريكي تحول إلى أسوأ مما كان، أكمل المحتل تدمير العراق، وبذر في تربته بذوراً سريعة النضوج للطائفية والعنصرية والكراهية، التربة مهيأة أصلا للصراعات المذهبية والعقائدية ، لكن المحتل المتغطرس غذاها ونماها، ولم تكن الطائفية البشعة هي من أطلت برأسها فقط في هذا البلد، بل نافسها وتفوق عليها الفساد، العراق نموذج للفساد وليس للديمقراطية، العراق يغرق في الفساد وليس في الحرية، زيت الفساد يجعل العراق لا يضيء نوراً على العالم من حوله إنما يطلق ناراً ودخاناً من الفساد والخراب. صرت أفقد الثقة في الأمريكان الذين دمروا بلداً عربياً صاحب تاريخ ومجد عظيم، لم يفد الأمريكان العراق في شيء، أزالوا ديكتاتوراً وجاؤوا بعشرات أو مئات أشد منه، أيقظوا الانقسامات الطائفية، وكرسوا المحاصصات وأشعلوا حروب العداوة والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، وهذا لا ينفي أن شرائح عراقية ما زالت تعيش في الماضي ولديها استعداد لالتقاط بذور الشر الأمريكية وزراعتها لتثمر مراً وعلقماً وحقداً. أرى العراق الغني بالثروات الطبيعية وخاصة النفط بينما شعبه يعاني في الداخل ومشتت في المهاجر ويكافح ويكابد ليعيش، أرى عراقيين في صورة مزرية فأقول أين نصيب هؤلاء من ثروات بلادهم، العراق صار نهيبة كبرى، أصحاب السلطة والنفوذ وأمراء الحرب وتجار الموت يغرفون منه بلا حساب، أرقام فساد مفزعة، مهولة، غير مسبوقة، نهر دجلة والفرات يكاد يجف من الفساد، ضرع الخير في العراق لا يجف، لكن الفاسدين لا يتوقفون عن حلبه، ويحرمون الشعب من حقه في رشفة واحدة. عراق النفط بلا كهرباء في صيف جهنم، الحر يشوي الأجساد ولا كهرباء تشغّل مروحة أو جهاز تكييف، إذا لم تكن في العراق كهرباء فأين تكون؟. العراق صاحب أضخم مخزون من النفط وإنتاج بمليارات الدولارات شهريا وأرض خصبة للزراعة ونخيل وجنات وأنهار وعيون ومع ذلك فيه كثير من الجائعين والبائسين والمرضى والمحتاجين والمشردين، وفيه لصوص وفاسدون ومجرمون وقتلة. ثورة على الفساد لإنقاذ العراق. حرب الفساد وحرب الطائفية والمحاصصة يجب أن تسير بالتوازي مع حرب الإرهاب حتى ينجح العراق في دحر الإرهاب. الجندي لن يقاتل إلا إذا كان واثقاً أنه يقاتل من أجل العراق الذي هو ملكه وله فيه نصيب يحصل عليه لو كان حياً ويذهب إلى عائلته لو استشهد فداء لوطنه. عراق بلا فساد، ولا سرطان طائفية سياسية ودينية هو عراق قوي لا يَهاب "داعش" ولا يحتاج "الحشد الشعبي" ولا يعتري بعض أهله أية مخاوف من الجارة إيران. قرارات موفقة اتخذها حيدر العبادي رئيس الوزراء بإجراء إصلاحات إدارية ومالية في إطار مواجهة الفساد. لكن المهم التنفيذ. لا تكفي القرارات، العبادي متحصن اليوم بهبة شعبية واسعة، فليجعل الشعب حصنه وسيفه ودرعه، شعبه هو جمعيته العمومية التي تقف وراءه، ليتعامل معه مباشرة، وهو يدافع عنه أمام ذئاب كل أنواع المافيات والميليشيات. دعوة المرجعية ممثلة في السيد علي السيستاني للعبادي بضرورة الشجاعة لمواجهة الفساد والسير على طريق الإصلاح هو دعم وتعضيد له من مركز ديني كلمته مؤثرة ومسموعة. المرجعية حائط صد آخر له. العبادي يستند على حائطين قويين، الشعب والمرجعية. ماذا ينتظر؟. يخوض معركته الكبرى ضد الفساد والمحاصصة، وضد الإرهاب في نفس الوقت لينتشل العراق من مستنقعات الضياع التي طالت أكثر من اللازم، ليعيد العراق مجداً وعزاً للعرب ومن العرب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.