حسنا اذن ، انتهت مراسم الاحتفال بقناة السويس ، وفرحت مصر ، وزينت شوارع المحافظات و أبنيتها بالأعلام و الصور ، حضر من حضر ، و غنى من غنى ، و رقص من رقص ، و قدم العديد من الرؤساء و ممثلي الدول حفل افتتاح قناة السويس الجديدة ، الذي سوق له بأنه " إهداء من مصر إلى العالم " . في ذات التوقيت الذي دشنت فيه الصين – و بهدوء - بعيدا عن أي صخب إعلامي ، أطول خط سكة حديد في العالم بطول 13 ألف كيلومتر ،بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، يربط الصين بأوروبا مباشرة، مهددا تجارة النقل البحري بالانخفاض ،نظرا لأنه سيستحوذ على حصة البضائع القادمة من جنوب شرق آسيا والتي تعبر قناة السويس مرورا إلى جنوب أوروبا وشمال أفريقيا والساحل الشرقي لأمريكا ، و رغم تكلفته العالية إلا أنه من المتوقع أن يكون مفضلا عن النقل البحري نظرا لسرعته و اختصاره للوقت و لسعة حمولته التي تصل إلى ألف طن في النقلة الواحدة. و خط السكة الحديد ليس هو الخطر الوحيد الذي يهدد نصيب قناة السويس الأصلية من تجارة النقل البحري، فهناك قناة بنما التي يجرى عمليات توسيعها على قدم و ساق لتزيد قدرتها الاستيعابية من 5 ألف حاوية إلى 15 ألف حاوية ،ومن ثم يرتفع بذلك حجم الترانزيت العابر للقناة ، خصوصا أن الحاويات التي كانت تسمى ب Post Panamax لن تكون الضيفة الوحيدة على القناة بعد توسيعها، فوفقًا لتوقعات إدارة القناة سيزيد نصيب قناة بنما من الحركة التجارية بين الساحل الشرقي للولايات المتحدة وشرق آسيا بحوالي 50%، في حين من المتوقع أن ينخفض نصيب الطريق الملاحي عبر الباسيفيكي والمرتبط بنظام النقل متعدد الوسائط من 75% إلى حوالي 60%. وعلى الرغم من تفوق قناة السويس على قناة بنما من حيث اختصار المدة الزمنية والمسافات ، إلا أن قناة بنما تتفوق على قناة السويس في خط نيويورك-هونج كونج / خط نيويورك- ملبورن / خط نيويورك-شنغهاي و تشكل سفن النقل العملاقة ثالث التحديات التي تنتظر قناة السويس ، حيث يتجه العالم الآن اليها ، و أنه حسب تقرير دولي فأن 35% من سفن الحاويات التي يزيد حجمها أكثر من 15 ألف حاوية لن تستطيع دخول الموانئ المصرية بحلول عام 2018 بسبب «عمق الغاطس»، وأن هذه السفن ستتجه إلى موانئ أفريقيا وجبل علي. ومجرى القناة الحالي لا يسمح إلا بمرور سفينة واحدة، وقد تم إنشاء قناة السويس الجديدة لتسمح ببعض الازدواج في بعض المناطق ،.فلقد صممت كفرع موازي يخرج من القناة الرئيسية عند الكيلومتر رقم 60 ويصب فيها مجددا في الكيلومتر رقم 95. وتمتد القناة الجديدة على طول 35 كيلومترا في موازاة القناة الأساسية، بالإضافة إلى التفريعات ( تفريعة بورسعيد 36كم وتفريعة الملاح9 كم وتفريعة التمساح 37.5كم) ، ولما كان طول القناة 166كم, فإنه تظل هناك مسافة غير مزدوجة . كما أن الغاطس في التفريعات لا يتجاوز 48 قدما, إلا أن الخبر الجيد أن مشروع القناة الجديد يتضمن تعميق التفريعات الحالية لعمق 24 متر ليسمح لعبور سفن حتى غاطس 66 قدم ، مما يمكن من استقبال السفن العملاقة بحمولتها كاملة, بعد أن كانت تستقبل السفن العملاقة فارغة أو بعد أن تفرغ حمولتها في سوميد ، وإذا تحقق هذا الحلم فإن قناة السويس سوف تستوعب كل سفن العالم. ولكن يظل تساؤل الجدوى من المشروع قائما في ظل تراجع حجم التجارة العالمية والاوروبية منذ عام 2005، ولأن حركة الملاحة في قناة السويس مرتبطة بالتجارة العالمية ، فقد لا تكون الجدوى من المشروع بهذا الحجم في الواقع حسب أكثر التقارير تفاؤلا ،حيث تعتمد حركة الملاحة في قناة السويس على مرور حاويات النفط والغاز المسال من الشرق الأقصى والشرق الأوسط باتجاه أوروبا، و المشروع يضاعف حجم حركة العبور في قناة السويس لكن تظل الحركة فيها الدولية بدون تغيير، إن لم تتعرض للانخفاض للأسباب السابق ذكرها .