اتسم أداء الإخوان المسلمين فى المرحلة الأولى للانتخابات التشريعية بالمسئولية وتقدير المصالح الوطنية. وقد ظهر كثير من مسئولى حزب الحرية والعدالة بصورة مشرفة، وغلب على مقارباتهم الاعتدال واستيعاب النقد والصبر على حوار الخصوم، بل على تعديهم فى كثير من الحالات. وقد قدم الحزب كوادر جديدة كثيرة تتسم بالوعى والاحترام ولا تستجيب للاستفزاز أو الاستدراج إلى القضايا الهامشية التى لا يريد من يثيرونها إلا إرباك المشهد السياسى. ولقد شاهدنا تصريحات القيادات مثل الدكتور محمد بديع، والدكتور محمد مرسى، تكاد تماثل فى اعتدالها وموضوعيتها تصريحات صغار المسئولين فى الحزب مما يعطى انطباعًا أننا أمام كيان متناغم ومدرسة حزبية تقوم بتخريج كوادر سياسية على مستويات عديدة. ومما يحسب للإخوان فى هذه المرحلة أنهم الحزب الكبير الوحيد الذى التزم بعدم إدراج أى من فلول الحزب الوطنى على قوائمه. لقد كانت سقطة أخلاقية وسياسية كبرى ما وقعت فيه بعض الأحزاب الليبرالية حين دفعت ببعض فلول الحزب الوطنى أمام مرشحى الحرية والعدالة، وهو ما يفقدها مصداقيتها أمام الناخبين على المدى الطويل حتى لو حصلت على بعض المقاعد. ومن اللافت أيضا أنه ربما لم ينجح أحد من الأقباط أو النساء إلا من خلال حزب الحرية والعدالة، وهو إنجاز كبير تعمدت وسائل الإعلام – التى يملك أكثرها فلول النظام البائد – تعمدت إغفال هذا الجانب الوطنى المشرف. كما أن أداء مرشحى الحزب التزم فى غالب الأمر بأخلاق الإسلام وضوابطه مع المخالفين. وقد سمعت الإعلامية الليبرالية جميلة إسماعيل برغم هزيمتها فى الجولة الأولى، تثنى ثناء حارا على منافسها الدكتور عمر خضر مرشح حزب الحرية والعدالة وأنه تنافس معها بشكل شريف طوال المعركة الانتخابية، وهذه نبرة جديدة على المشهد السياسى المصرى، ومكسب وطنى لا يستهان به. أضف إلى هذا تأييد الحزب ومساندته ودعمه لرموز وطنية كالمستشار الخضيرى أمام منافس من الفلول له سطوة وإمكانيات مالية هائلة، وقد رمى الإخوان بثقلهم فى تلك الدائرة مما اعتبر خطوة مهمة نحو تكوين توافق وطنى. وبطبيعة الحال لم يخل أداء الإخوان من أخطاء وتجاوزات، لعل أبرزها تأثيرهم على بعض الناخبين أمام اللجان فى الجولة الأولى من خلال مساعداتهم (وقد كانت مساعدات إدارية وإرشادية حقيقية، وقد حدث معى أن عنوان المدرسة على موقع اللجنة العليا كان خطأ، وبعد بحث طويل، دلنى شباب من الإخوان على العنوان الصحيح والذى كان فى حى آخر تماما)، وكان اللائق أن تكون هذه المساعدات غير مذيلة بدعايات الحزب. كما يؤخذ على الإخوان عدم تركيزهم على عرض برنامجهم الانتخابى بالشكل الكافى، وكان أكثر حضورهم الإعلامى لرد الاتهامات ونفى التجاوزات. إن حصد الإخوان لثلثى المقاعد الفردية وأكثر من ثلث إجمالى الأصوات للقوائم، مؤشر واضح على قربهم من نبض الشارع المصرى، وأن لهم رصيدًا شعبيًا له جذور لا تهتز بالهجمات الإعلامية الشرسة التى يتعرضون لها، كما أنه مؤشر لا يقبل الجدل، لعاطفة الأغلبية لأن يحكم البلاد حزب له مرجعية إسلامية. إنه مهما تعالت الأصوات لتخويف الشعب وتفزيعه من التيار الإسلامى، فإن النتيجة الواضحة بعد هذه المرحلة الأولى أن جهود ما يعرف بالنخبة المثقفة قد ارتدت لصدور أصحابها وكشفت جهلهم بالإسلام وشرعه، قبل أن تكشف انفصالهم عن الشارع المصرى. إن العملية الانتخابية برمتها فى المرحلة الأولى تحتاج لقراءة متأنية، ولكن هذه الإشارة السريعة لإيجابيات حصلت ربما تزكى الممارسات الراشدة وتغرى بتقليدها. د. محمد هشام راغب http://www.facebook.com/Dr.M.Hesham.Ragheb