نشرت صحيفة القدس العربى رسالة مأساوية للرضيع الفلسطيني الذى استشهد أمس جاء فيها "اختار الرضيع الفلسطيني علي سعد دوابشة ذو الثمانية عشر شهرا وقتا سيئا ليموت محترقا في بيته بقرية دوما جنوب نابلس اثر هجوم من «الدواعش اليهود» المعروفين ايضا بالمستوطنين. بالتأكيد انه توقيت سيئ، كان على لحمه الطري ان يقاوم درجة الحرارة التي وصلت الى سبعمائة درجة مئوية بعد ان القوا قنابل المولوتوف على فراشه وهو نائم. صحيح ان تلك الحرارة كافية لصهر الحديد، ولكن، وبالنظر الى انه ولد فلسطينيا(حتى اذا لم يمهلوه ان يعرف ذلك)، كان عليه ان يقاوم أفراد عصابة «تدفيع الثمن» اليهودية الاستيطانية المدعومة من عصابة نتنياهو الحاكمة، والتي تركت توقيعها على الجدران إمعانا في الإذلال والاهانة لكل ما هو عربي او إسلامي او إنساني على وجه الارض. لكن ذلك الطفل العنيد المشاغب أبى الا ان يحرج الجميع ، وان يعري ضعفنا وعجزنا وتشرذمنا وتهافتنا وتنازعنا أمام أعيننا، فاحترق. الم يكن يعرف ان أقصى ما يمكن ان يحصل عليه في هذا التوقيت هو بيانات إدانة إنشائية من هنا وهناك؟ الم يخبره احدهم بأن النخبة الفلسطينية، غير الجديرة بشرف الدفاع عن حقوق شعبها او تمثيل طموحاته، قررت قبل ايام فقط ان تدفن مشروع المصالحة الوطنية (الذي كان ولد ميتا او قتله البعض مع سبق الإصرار، لافرق)؟ وان الحطام الذي خلفه الاقتحام الاخير للمسجد الاقصى على ايدي الدواعش اليهود أنفسهم مازال ينتظر من يجمعه وسط صمت دولي مريب؟ وان الزعماء العرب اما يقضون اجازاتهم على شواطئ أوروبا، ولا يريدون ما ينغص عليهم الاستمتاع بها، او منهمكون بالتحارب والمكايدة لبعضهم البعض؟ وان الحكومة المصرية مشغولة بالتحضير لاحتفالات افتتاح «قناة السويس الجديدة»، واستقبال وزير الخارجية الأمريكي، ولا تريد اي تعكير للتعاون الأمني مع اسرائيل خاصة بعد ان قررت إعادة سفيرها الى تل ابيب؟ وان الحكومة الاردنية أصبحت تساهم في محاصرة قطاع غزة، بعد ان منعت دخول نحو مئة فلسطيني سمحت إسرائيل نفسها بخروجهم، وانها تخصصت في الاكتفاء بإصدار «تعليقات اكاديمية» على الجرائم الصهيونية؟ وان الشعوب العربية التي طالما اعتبرت فلسطين قضيتها «المركزية» انصرفوا عنها بفضل دواعش آخرين وصاروا منهمكين في محاربة الارهاب الذي يذبحهم بالمئات بل والآلاف، وجعل بعض بلادهم كعصف مأكول؟ وان الادارة الأمريكية التي أغضبت إسرائيل مؤخرا بتوقيع الاتفاق النووي مع ايران لن تحرك ساكنا في هذه الظروف حتى اذا احرق المستوطنون الشعب الفلسطيني بأكمله، وليس عائلة واحدة (فقط)؟ وان قرار السلطة الفلسطينية باللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية، وتنافس المسئولين الفلسطينيين في «مسابقة بلاغية» لإدانة الجريمة، لن يغير شيئا، اذ لن يجعل هذه «المحرقة»الأخيرة، وان السلطة لن تتخذ اي موقف استثنائي مثل تعليق التنسيق الامني او الدعوة الى المقاومة الشرعية الشاملة للاحتلال؟ وان بعض حركات «المقاومة» منغمسة في مفاوضات سرية مع إسرائيل ومكايدات او مساومات إقليمية؟ وان اعتراف الإرهابي الاكبر في العالم نتنياهو، وللمرة الأولى بأن ما حصل «عمل ارهابي»، لن يكون سوى تحصيل حاصل، ولن يقلل من الجرم الارهابي، ولن يقدم اي ضمان بعدم تكراره، او بمحاسبة من ارتكبوه، لكنه مجرد «اجراء دعائي» لاحتواء مشاعر الصدمة والاشمئزاز؟ ماذا يجدي اي كلام هنا ياعلي؟ هل ندعو الى انتفاضة جديدة؟ وهل مازال الامر يحتاج الى دعوة؟ وهل الانتفاضة ممكنة حقا وسط هذا الحاضنة الفلسطينية المهترئة، والمحيط العربي الفاشل او المتواطئ بالصمت وغيره؟ هل نطالب مصر بصفتها الرئيس الحالي للقمة العربية بالدعوة الى اجتماع قمة طارئ؟ ولكن هل نحن بحاجة الى بيان آخر أجوف (في حال تم الاجتماع اصلا)؟ هل نطالب بتحرك عربي لعقد اجتماع عاجل لمجلس الامن ليصطدم مجددا بفيتو امريكي متأهب؟ هل ندعو الى مقاطعة شعبية عربية لاسرائيل وكل من يتعامل معها، فيما تنشر مواقع في الانترنت سيارات تحمل لوحات عربية في شوارع تل ابيب؟ انت وضعتنا في هذا المأزق يا علي عندما «اخترت» ان تولد بيننا، نحن الذين لايستحقون هذا الشرف، ثم ان تموت بهذا الاسلوب الصادم الموجع، دون ان تعرف ذنبك، في هذا التوقيت السيئ، وسط هذه المعطيات التاريخية في بؤسها. عليك اذن ان تتحمل المسؤولية (..)، وسنحاول ان نقبل اعتذارك عن الازعاج(..).