في بعض الأحيان تتخذ الدول قرارات من الممكن أن تخالف الدستور حفظًا لأمنها وسلامها – بحسب ما تصرح به السلطات - إلا أن بعض تلك القرارات بمثابة ديكتاتورية وأن الحفاظ على الأمن غطاء لما هو أسوأ، فيرى عدد من المراقبون أنه ليس بالضرورة مخالفة الدستور حفاظًا على الأمن، ففي مصر أخذ الوضع منحنى آخر، فمصر الآن في حالة مكافحة إرهاب، لذا المعروف أن كل الأسلحة والقرارات التي تخص الأمن مباحة، فقد اتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسي عدة قرارات منذ توليه، زعُم أنها تخالف الدستور فكونها اتخذت في غياب مجلس الشعب يبقى هذا سببًا رئيسيًا لمخالفة الدستور، إلا أن المادة 123 من الدستور تكفل له هذا الحق. أين تقرير الذمة المالية؟ مع بداية العام الثانى للرئيس عبدالفتاح السيسى فى الحكم، طالب قانونيون وسياسيون الرئيس بضرورة تقديم إقرار الذمة المالية؛ وفقا لنص المادة 145 من الدستور والتي تلزم رئيس الجمهورية تقديم إقرار بها عند توليه المنصب وعند تركه وفى نهاية كل عام? على أن ينشر هذا الإقرار في الجريدة الرسمية وفى حالة عدم فعل ذلك؛ فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي يكون قد خالف دستور 2014. موازنة عامة جديدة مخالفة للدستور الموازنة العامة للجمهورية تضمن بنودًا مخالفة للدستور الذي نصت المادة 238 منه على أن تضمن الدولة تخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومي على التعليم والتعليم العالي والصحة والبحث العلمي في موازنة الدولة للسنة المالية 2016 /2017 حتى يصل الحد الأدنى للإنفاق على تلك المجالات إلى 6% إلا أن الموازنة التي أقرت لهذا العام المالي فإن نسبة الإنفاق على التعليم تدنت من 4.3 % في العام المالي 2014 -2015، إلى 4.1% في 2015- 2016، بخلاف ما أقره الدستور، وهو ما يعني خفضًا تدريجيًا لا زيادة مقابلة كما نص الدستور. البنود التي تم خفضها تأتي كلها مخالفة للدستور وفي مقدمتها الصحة، خاصة أن المادة 18 من الدستور نصت على أن الدولة تخصص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، إذًا فالموازنة العامة لعام حكم السيسي الأول جاءت مخالفة للدستور. عزل رؤساء الهيئات «يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم فى 4 حالات، أولها إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وثانيها إذا فقد الثقة والاعتبار، والثالثة إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص لاعتبارية العامة، والرابعة إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية».. قرار أصدره الرئيس في آخر شهر رمضان المنصرم، ترك تساؤلات عدة في أذهان الكثيرين وخاصة المعنيين بالدستور والقانون، وهو أنه إلى حد كبير مخالف للدستور. حيث تنص المادة 216 من الدستور المصري على أن «يصدر بتشكيل كل هيئة مستقلة أو جهاز رقابي قانون، يحدد اختصاصاتها، ونظام عملها، وضمانات استقلالها، والحماية اللازمة لأعضائها، وسائر أوضاعهم الوظيفية، بما يكفل لهم الحياد والاستقلال، ويعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفي أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء». فإن نص القرار الجمهوري يستخدم كلمات فضفاضة ومصطلحات مطاطة تحتمل أكثر من تفسير، بالإضافة إلى أن القرار يغفل القاعدة الفقهية التى تتطلب ضرورة أن يشمل القانون العموم ولا يحدد فئة أو جهة معينة أو شخصًا. قرارات وقوانين بدون برلمان إذًا فهي مخالفة! ويبقى الأمر الأبرز في مخالفة الدستور هو اتخاذ قرارات وقوانين في غياب مجلس الشعب للعام الثاني، وبرغم أنه من حق مجلس الشعب إذا تم انتخابه إعادة النظر في تلك القوانين إلا أنه تم إصدارها في غيابه، حتى يتم انتخاب مجلس شعب. فاعتبر البعض أن الإعلان الجديد لحالة الطوارئ في شهر إبريل الماضي، بقرار من الرئيس فى شمال سيناء فى واقعة تعتبر بنظر الدستور مخالفة، وقد بني هذا القرار بناءً على مطالعة الدستور وعلى قانون العقوبات وعلى قانون الطوارئ، في إشارة إلى الدستور المصري المعدل لعام 2014 ومادته رقم 154 والتي نظمت إعلان حالة الطوارئ. كما أصدر السيسي العديد من القوانين في غياب البرلمان أبرزها قانون الكيانات الإرهابية والسماح لوزارتي الدفاع والداخلية بإنشاء شركات للحراسة لحراسة المؤسسات ونقل الأموال. دستوريون: إقرار الذمة المالية يعرض السيسي للمحاكمة والإعفاء من منصبه أكد عدد من الخبراء القانونيين والفقهاء الدستوريين أن عدم تقديم إقرار الذمة المالية من الممكن أن يضع الرئيس قيد المساءلة، حيث أوضح الدكتور صلاح فوزي، عضو لجنة التشريعات القانونية، أن المادة 145 من الدستور تنص على ضرورة تقديم السيسي إقرار الذمة المالية نهاية كل عام من حكمه على أن يتم نشرها في الجريدة الرسمية، مشيرًا إلى أن هذه المادة لا تحتاج إلى قانون وأن عدم التزام الرئيس بتقديم إقرار الذمة المالية يعد مخالفًا للدستور ولا يملك أحد محاسبته إلا مجلس النواب فقط الذي إذا وقع أغلبية أعضائه يتم تحريك دعوى قضائية ضد الرئيس ويحقق فيها النائب العام وإذا ثبت إدانة الرئيس يتم إيقافه عن العمل بشكل مؤقت لحين الانتهاء من المحاكمة. وأكد «فوزي» أن عدم صدور قانون منظم لإجراءات التحقيق مع الرئيس يمنع مثول السيسي للمحاكمة، فضلاً عن عدم وجود برلمان يحاسب الرئيس. ومن جانبه، طالب المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، من اللجنة الرئاسة التابعة لجهاز الكسب غير المشروع، بأن تراسل رئاسة الجمهورية لمطالبتها بإرسال السيسي لذمته المالية ونشرها في الجريدة الرسمية، حتى لا يخالف الدستور، مشيرًا إلى أنه فى حالة عدم حدوث ذلك سيتعرض الرئيس للمحاكمة في حالة انعقاد البرلمان. في نفس السياق، قال المستشار نور الدين علي، الفقيه الدستوري، إن عدم تقديم السيسي إقرار الذمة المالية عن العام الأول لحكمه مخالف للدستور وفقًا للمادة 145 من الدستور التي تنص على أنه يتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه وعند تركه وفي نهاية كل عام وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية، مشيرًا إلى أنه حال تحريك دعوى قضائية من مجلس النواب وبعد تحقيق من النائب العام وبمجرد الإدانة يوقف رئيس الجمهورية عن عمله لحين الانتهاء من المحاكمة أمام المحكمة الخاصة المشكلة بناءً على الدستور وإذا حكم عليه بالإدانة يعفى من منصبه. غياب البرلمان سبب مخالفة السيسي للدستور قال الدكتور فؤاد عبدالنبي، الفقيه الدستوري، إنه وفقًا للمادة 139 من الدستور فإن الرئيس عبدالفتاح السيسي هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية ويرعى مصالح الشعب وسلامته وسلامة أراضيه، وعليه فإنه يتطلب منه أن يحترم الدستور والقانون، مشيرًا إلى أن المادة 123 تعطى للسيسي الحق في إصدار القوانين أو الاعتراض عليها سواء في وجود البرلمان أو غيابه ولكن ليس بهذا العدد الذي يصدر به السيسي القوانين. وأضاف «عبدالنبي»، في تصريحات خاصة ل«المصريون»، أن حق السيسي في إقالة رؤساء الهيئات الرقابية مكفول له وفقًا للمادة 216 من الدستور التي تنص على أنه من حق رئيس الجمهورية تعيين رؤساء الهيئات الرقابية ولا يتم إعفاؤهم من مناصبهم إلا بالقانون، موضحًا أن السيسي أصدر القانون الذي يمكنه من هذا. وأوضح «عبدالنبي» أن السيسي خالف الدستور عندما لم يقدم إقرار الذمة المالية عن العام الأول لحكمه كما أنه لم يقدمه عند ترشحه من الأساس برغم من أن المادة 145 من دستور 2014 الذي تم وضعه أثناء حكمه تطالبه بتقديم هذا الإقرار، قائلاً: «مخالفة الدستور وعدم احترامه توجب المساءلة والمحاكمة». ومن ناحية أخرى، قال الدكتور رمضان بطيخ، الخبير القانوني والفقيه الدستوري، إن قرارات السيسي مطابقة للدستور؛ لأن السلطة التشريعية وهي البرلمان صحاب الاختصاص الأصيل متغيب فأعطى الدستور للرئيس الحق في ذلك حتى يتم عقد البرلمان. وأضاف أنه من شروط الترشح للرئاسة تقديم إقرار للذمة المالية وهو ما لم يفعله السيسي وحتى بعد انتهاء العام الأول لحكمه، مشيرًا إلى أن الدستور أعطى للرئيس الحق في إعلان حالة الطوارئ وإصدار القوانين في غياب البرلمان وهو الشرط المتوفر حاليًا. فيما علق الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون بجامعة القاهرة، على إصدار القانون الذي يحق للسيسي إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية من مناصبهم، قائلاً: «إن مواد القانون بها مصطلحات غير محددة تحتمل أكثر من تفسير ففي حين أن المادة 216 من الدستور تركت للقانون تحديد حالات العزل من المنصب وكان من الممكن تأجيل القانون لحين انتخاب البرلمان أو تحديد الحالات التي يحق للرئيس عزل الموظف العام من منصبه إلا أنه تم إصدار هذا القانون». وفي نفس السياق، قال محمد رشوان، المحامي بالنقض، إن حق عزل الموظف عامًا محددة في الدستور وهو من سلطات مجلس النواب وفي حالة غياب المجلس يمتلك رئيس الجمهورية حق التشريع لكن في حالات محددة وطارئة، قائلاً: «لا أعتقد أن إصدار قانون العزل كان ضروريًّا، خاصة أن الانتخابات البرلمانية اقتربت».