رغم الترحيب العربي والدولي الواسع بالانتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب , إلا أن هناك تحديات كثيرة تنتظر رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران من أبرزها الاحتجاجات المتواصلة لحركة 20 فبراير ، بالإضافة إلى طمأنة الغرب. ولعل المشاورات الصعبة التي أجراها بنكيران حول تشكيل الحكومة المغربية الجديدة تؤكد أيضا حجم التحديات التي يواجهها بنكيران لمنع امتداد الربيع العربي إلى المملكة . ففي 4 ديسمبر وبعد حوالي أسبوع من تكليفه من قبل ملك المغرب محمد السادس بتشكيل الحكومة الجديدة بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية ب107 مقاعد ، أعلن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي عبد الإله بنكيران أن حزبه يميل إلى التحالف مع أحزاب "الكتلة الديمقراطية" التي تتكون من حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية ، في حين أعلن ناشطون بحركة 20 فبراير في اليوم ذاته الخروج مجددا في احتجاجات تحت اسم "يوم الإصرار ". وقال بنكيران في تصريحات تليفزيونية إن مشاوراته مع قادة أحزاب الكتلة الديمقراطية التي "كانت أخوية" و"طبعها الوضوح" ، أفضت إلى أن الحسم في مشاركة أحزاب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية في التحالف الحكومي المقبل . وعن رؤيته للحكومة الجديدة , قال بنكيران إن حزبه كان يميل إلى فكرة "حكومة مقلصة" من الناحية العددية، على اعتبار أن ذلك من بين العوامل التي تسهل التحكم في التدبير، إلا أنه بعد المشاورات التي أجراها مع بعض قادة الأحزاب المغربية تبين أنه من الصعب تشكيل حكومة مقلصة، وبالتالي فإن الرأي الذي يميل إليه الجميع هو تشكيل حكومة من 25 حقيبة وزارية . وفي رسالة طمأنة جديدة للغرب , شدد رئيس الوزراء المغربي المكلف على الدور الأساسي والحضور الضروري للعنصر النسوي بالتشكيلة الحكومية المقبلة، معتبرا أن حضور المرأة المغربية بات محسوما لاسيما بعدما أثبتت كفاءة استثنائية في القيام بالمهام التي تقلدتها في مجالات عدة، بما فيها حضورها داخل قبة البرلمان. كما أكد أن الحريات الفردية شيء مقدس يجب عدم المساس به، وأن التدخل في الشئون الخاصة للناس هو "ضرب من الحمق" ، وتابع " الغرب ليس شريكا تقليديا فحسب، ولكنه شريك فلسفي للمغرب، روح المغرب هي الليبرالية، لأن الاشتراكية لم تدخل للمغرب إلا على قدر ما هو نافع" ، مجددا التأكيد على أن الغرب حليف للمغرب وأن هذا الواقع "منطقي وغير قابل للتغيير . وبالتزامن مع تصريحات بنكيران السابقة ، خرج ناشطون في حركة 20 فبراير المعارضة مجددا للتظاهر في 4 ديسمبر بعدد من المدن في مسيرات أطلق عليها اسم "يوم الإصرار". ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن ياسين بزاز -أحد أعضاء الحركة بالرباط- قوله إن مطالب الحركة غير مرتبطة بالانتخابات ولا بالحكومة المقبلة لأن الخريطة السياسية -وفق تعبيره- محكومة مسبقا، ولا يستطيع أي حزب سياسي أن يطبق برنامجه. وتعليقا على ما يشاع من أن الحركة فقدت شرعيتها بعد الانتخابات وتصويت فئة واسعة من المغاربة لفائدة حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل ، قال بزاز إن ما يقال غير صحيح ، واستدل بعدد المتظاهرين الذين خرجوا للاحتجاج يومين بعد الانتخابات في 62 مدينة مغربية ، موضحا أن أعضاء الحركة سيتوقفون عن الاحتجاج فقط عندما يشعرون بالتغيير الحقيقي في البلاد بما في ذلك محاكمة "رموز الفساد". وكان ملك المغرب محمد السادس كلف في 29 نوفمبر الماضي بنكيران بتشكيل حكومة جديدة، بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية التي أجريت في 25 من الشهر ذاته ب107 مقاعد، بينما حصل حزب الاستقلال بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته عباس الفاسي على ستين مقعداً وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على 39 مقعداً وحزب التقدم والاشتراكية على 18 مقعداً. وبعد فوزهم ، وجد الإسلاميون أنفسهم أمام تحالفين قويين، هما تحالف أحزاب الكتلة الديمقراطية المكون من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية "117 مقعدا في المجموع" ، والتحالف من أجل الديمقراطية والمكون من ثمانية أحزاب فاز فيها ستة أحزاب بمجموع مقاعد بلغت 159 مقعدا . ورغم أن حزب العدالة والتنمية فضل التحالف مع أحزاب "الكتلة الديمقراطية" ، إلا أن مصادر مطلعة مقربة من الإسلاميين تحدثت عن احتمال إضافة حزب آخر إلى تحالفهم هو حزب الحركة الشعبية "أحد مكونات التحالف من أجل الديمقراطية" من أجل الحصول على أغلبية مريحة داخل البرلمان 256 مقعدا . ونقلت قناة "الجزيرة" عن تلك المصادر القول إن حزب العدالة والتنمية يحرص على ضمان هامش إضافي من المناورة ويرغب في استمرارية الحكومة في حالة تخلف أحد مكونات الكتلة الديمقراطية عن التحالف الحكومي المرتقب ، حيث كان الائتلاف الحكومي السابق قادته أحزاب الكتلة ، بالإضافة إلى بعض أحزاب اليمين، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار، وقد وجهت إليه انتقادات واسعة من حزب العدالة والتنمية نفسه عندما كان في المعارضة . وبصفة عامة ، فإن حزب العدالة والتنمية ليس أمامه سوى تشكيل تحالف قوي ومنسجم قادر على تدبير الملفات والقضايا الوطنية مثل مقاومة الفساد والحد من ظاهرة البطالة وإصلاح الإدارة والقضاء ، هذا بالإضافة إلى التصدي لمعضلة الاحتجاجات الشعبية التي تقودها حركة 20 فبراير بمشاركة عدة أطراف بينها جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة. فمعروف أن جماعة العدل والإحسان تقتسم مع حزب العدالة والتنمية المرجعية الإسلامية وتختلف معه في طريقة العمل السياسي، فالحزب يسعى إلى الإصلاح من داخل المؤسسات والجماعة تطالب بتغيير جذري. وربما سينجح رفاق عبد الإله بنكيران في جر جماعة العدل والإحسان إلى تأسيس حزب سياسي والدخول في لعبة سياسية ديمقراطية تمكن المغرب من تجاوز شبح الثورات العربية الذي يلاحقه ، إلا أن الأهم من كل هذا - بحسب مراقبين - هو التأسيس لمرحلة جديدة لاقتسام السلطة، حيث "البرلمان يشرع والحكومة تحكم والملك يترأس"، بالتزامن مع معالجة قضايا أربع في غاية الأهمية، وهي تدبير مشكلات التعليم والصحة والسكن والتشغيل. وبصفة عامة ، فإن حزب العدالة والتنمية بعد فوزه بانتخابات 25 نوفمبر يعتبر ثاني حزب إسلامي معتدل يفوز بالانتخابات بدولة بشمال إفريقيا منذ بدء انتفاضات الربيع العربي بعد تونس ، إلا أن هناك عقبات كثيرة بانتظاره قد تعرقل طموحاته في تكرار النموذج "الأردوغاني" التركي في المغرب من أبرزها النظام الانتخابي النسبي المعقد بالمغرب والذي يجعل الأمر عصيا على حزب واحد تشكيل حكومة بمفرده ، بالإضافة إلى ما يذهب إليه البعض حول أن الملك ما زال يمسك بالسلطة الرئيسية في يده وأن المملكة ما زالت غير مهيأة للديمقراطية.