الحركة الإسلامية المصرية كافحت كفاحا كبيرا طوال السنوات الماضية .. وقدمت الكثير والكثير من التضحيات الجسام .. وصبرت على الأذى طويلا . والآن أمامها تحديات جسام لا تقل خطورة عن أزمان الصبر والمعتقلات .. وعليها أن تخطو هذه الأيام خطوات جسورة نحو بناء الأوطان. وأن تهتم بفقه الدولة الآن مثلما اهتمت كثيرًا وطويلا بفقه الدعوة والعبادات .. وأن تهتم بالفقه السياسي لتجمع بين الواجب الشرعي والواقع العملي جمعًا صحيحاً دقيقًا لا يخل بأحدهما .. فلا يهمل الواقع العملي تحت دعوى إعمال النصوص الشرعية .. لأن النصوص لا تعمل في فراغ .. ولأن النصوص جاءت من أجل تغيير الواقع .. بما يتطابق مع الشريعة الغراء. وعلينا ألا نهمل النصوص الشرعية تحت ضغط الواقع الصعب الذي نعيشه؛ لأن ثوابت الإسلام هي الهدى الذي نهتدي به والميزان الضابط لحركتنا . وعلينا أن نطور من خطابنا الإسلامي بما يتناسب مع معطيات عصرنا .. ولعلي أضرب مثالا ً هنا بالخلافة الإسلامية كنموذج من نماذج الأحلام التي كان يتوق إليها الشباب المسلم دائما . هل يمكن أن تطبق بصورتها السابقة في عالمنا المعاصر ؟ هل يمكن دمج الدول العربية والإسلامية في دولة واحدة ؟ من ذا الذي يقبل من الحكام العرب والمسلمين دمج جيشه مع الجيوش الأخرى؟.. ومن منهم يقبل أن يفقد سيطرته على شرطته وجيشه من أجل الوحدة مع الآخرين؟ وهل يقبل أي حاكم اليوم أن يدمج اقتصاده مع الآخرين ؟ أو تتوحد دولته الغنية مع أخرى فقيرة ؟ وهل .... وهل .... وإذا كانت كل صنوف الوحدة العربية في القرن العشرين قد فشلت فشلا ً ذريعا.. فما هو النموذج الأمثل للخلافة الإسلامية والذي يحقق مقصود الخلافة ويمكن تطبيقه في عالمنا المعاصر . لقد تحدثت في هذا الأمر طويلا ً مع المفكر الإسلامي د/ حسن الحيوان الذي عاش فترة في أمريكا وأوروبا والذي قال لي : إن أفضل نموذج ممكن ومعاصر للخلافة الإسلامية هو صورة الاتحاد الأوروبي الحالية وقد استحسنت هذا الرأي ووجدته جيدًا جدًا .. وقلت له : إذا كانت الدول الأوربية .. رغم ما كانت بينها من حروب طاحنة .. واختلافات عقائدية وفكرية كثيرة قد استطاعت تقديم هذا النموذج .. فنحن نستطيع أن نقدم مثل هذا النموذج للخلافة الإسلامية بشكل أفضل .. لما يربطنا من أواصر الدين واللغة والهم والمصير المشترك. كما تناقشت طويلا ً منذ سنوات في الأمر نفسه مع د/ سليم العوا .. فذكر لي نفس الرأي وأن نموذج الاتحاد الأوروبي هو النموذج المتاح والممكن للخلافة الآن بين الدولة العربية والإسلامية . وعلى هذا النموذج أن يتم بالتدرج.. وأن يكون طواعية وليس تحت قهر السلاح والجيوش .. كما كان يحدث من قبل. وأن يبدأ بالتبادل الثقافي والتعاون الاقتصادي الحقيقي .. وينتهي بتوحيد العملة ودمج الحدود مع بقاء كيان كل دولة بخصائصها ومميزاتها وحكوماتها وجيشها .. وأن يكون هناك تحالف سياسي وعسكري مميز في أشكال تقارب شكل حلف الأطلنطي العسكري والاتحاد الأوروبي سياسيًا فهل نهتم بفقه الدولة كما اهتممنا من قبل بفقه الدعوة .. أرجو أن يتم ذلك ودون إبطاء؟