ثمة فوارق رهيبة بين ميدان التحرير فى يناير وفبراير، وميدان التحرير فى نوفمبر، كل شىء مختلف فى يناير 2011 خرجت مصر عن بكرتها، شبابها وشيوخها، رجالها ونسائها، أطفالها وصبيانها، أغنيائها وفقرائها، كل الشعب خرج إلى الشارع يطالب بإسقاط النظام الفاسد، ولم يكن ثمة خلاف بين اثنين بشأن الغاية من الثورة. إن شبابنا الذى ثار ونجح فى إسقاط حكومة شرف، رغم أنهم هم الذين نادوا بها ودعموها، رغم أن كل الشواهد كانت تؤكد أن الرجل لا يتمتع بأى خبرة، فقد كان خبيرًا طرق ولا يعرف شيئا عن آليات العمل السياسى الإدارى، والأيام أثبتت ذلك وتم إقصاؤه قبل غرق السفينة، واختار المجلس العسكرى الدكتور كمال الجنزورى رئيسا لحكومة الإنقاذ، فإذا بشباب التحرير يعلنون اعتراضهم، ويغلقون شارع مجلس الوزراء، ويصرون للمرة الثانية أن يختاروا هم رئيس الحكومة الجديد، وكان اختيارهم للدكتور محمد البرادعى، رغم اعتراض الأغلبية الساحقة للشعب على هذا الرجل، الذى أراه صورة من عبد الله بن سبأ، لكن الأغلبية الساحقة مازالت تركن فى البيوت، متمسكين بالكنبة واللحاف، فظن هؤلاء أنهم لسان حال جموع الشعب. الذين لم يجدوا فى الجنزورى عيبا سوى تقدمه فى السن وابتعاده عن العمل السياسى سنوات طويلة ، أقول لهم اقرأوا التاريخ جيدا، ففى بداية الحرب العالمية الثانية تمكنت جيوش النازى من احتلال أغلب دول أوروبا، ثم سقطت فرنسا فى مايو 1940، ودخلت جيوش هتلر تستعرض نفسها فى شوارع باريس، ثم بدأت تتجه لغزو بريطانيا، وبدأت حربها ضدها بغارات جوية رهيبة، وظلت الطائرات الألمانية تضرب ليل نهار لندن وكبرى المدن البريطانية، وتكبد الانجليز خسائر فادحة رهيبة، ترى كيف فكر الإنجليز للتغلب على تلك الكارثة؟ .. لم يفكروا فى زيادة عدد الجيش أو زيادة التسليح، بل كان قرارا سياسيا قلب موازين القوى فى الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء، وأنقذ العالم كله من شر النازية، وهذا القرار هو استدعاء ونستون تشرشل وإسناد رئاسة الحكومة إليه. كان رئيس وزراء بريطانيا فى ذاك الحين هو تشمبرلين، وكان تشرشل وزير المستعمرات السابق قد ابتعد عن السلطة منذ العام 1929، ومع ذلك لم يقولوا بأنه (مسن) أو إنه بعيد عن شئون الدولة من سنوات، بل رأوا أنه الرجل المناسب فى الوقت المناسب. راح تشرشل يستنهض همم الأوروبيين للقيام بأعمال المقاومة ضد الألمان، وكانت مهمته صعبة لأن بريطانيا خسرت العديد من معداتها الحربية إثر احتلال فرنسا وأثناء محاولة إخلاء دنكرك، ولكن تشرشل عمل سريعا على احتضان حركة المقاومة الفرنسية التى قادها ديجول ، وحرص على صداقته للرئيس الأمريكى روزفلت، التى بدأت نتائجها تظهر من خلال تزويد الأوروبيين بالسلاح والعتاد أولا، ثم فى دخول الولاياتالمتحدة نفسها الحرب وتشكيل ما عرف بقوات الحلفاء وعلى جانب آخر، عندما هاجم الأسطول اليابانى ميناء بيرل هاربور الأمريكى فى 7 ديسمبر عام 1941، وأتت المقاتلات اليابانية على كل من بالقاعدة الأمريكية، لجأت الإدارة الأمريكية إلى الجنرال ماك آرثر، الذى كان قد ترك الخدمة منذ العام 1937، استدعاه الرئيس روزفلت وطلب منه أن يتولى قيادة العمليات العسكرية الأمريكية فى المحيط الهادئ، ومنحه رتبة فريق، فعاد الرجل لارتداء بزته العسكرية التى هجرها من سنوات، وحقق انتصارات سجلها التاريخ وأنا أرى أن كمال الجنزورى هو تشرشل الذى سوف يقود مصر إلى بر الأمان، وسيأتى بما يرضى جموع المصريين، وسوف يخرج الذين سدوا الشارع أمام مقر مجلس الوزراء، سيخرجون عما قريب مطالبين ببقائه واستمراره، والأيام القادمة سوف تثبت صدق توقعاتى بمشيئة الله تعالى. [email protected]