بناء عملية سياسية جديدة في ليبيا تواجه عدد من العقبات الأساسية، أولها الأمن الذي يتهدده انتشار لآلاف قطع السلاح، بالإضافة إلى وجود ما يقارب المائة وخمسين قبيلة، بينما يواجه المجلس الوطني الانتقالي مهمة صعبة لمصالحة جماعات في شتى أنحاء البلاد بعد رحيل القذافي. ففي عدة مدن بشتى أنحاء البلاد سقط قتلى في عمليات قامت بها بعض "قوات الثوار" سعت إلى الانتقام ممن اعتقدت أنهم كانوا من المقاتلين الموالين للقذافى، ومن ثمَّ تثور مخاطر وقوع أعمال عنف في معاقل القذافي السابقة مثل مدن سرت وبني وليد وسبها. وقد يكون هذا إحدى نتائج اللامركزية التي اتسمت بها العمليات العسكرية ضد القوات الموالية للقذافي و قام بها عدد كبير من المجموعات المسلحة المناهضة له، والتي لم تكن تقع بالضرورة تحت الرقابة المباشرة لأجهزة المجلس الوطني الانتقالي. وفي ظل المحاولات التي تتم الآن لإنشاء جيش وطني وجهاز أمني جديدين تبرز صراعات من نوعٍ آخر، حيث تزداد التوترات بين القوى الإسلامية والعلمانية. فقبل تعيين وزير الدفاع الحالي " أسامة الجويلي" كشفت بعض الصحف عن انعقاد اجتماعات سرية بين قيادات ساهمت في الإطاحة بالقذافي كان هدفها اختيار وزير للدفاع بعيدًا عن تدخل الإسلاميين، لتقليص نفوذهم في عملية بناء الجيش الجديد. من بين الأسماء التي كانت المطروحة عسكري سابق معارض عاش في الولاياتالمتحدة وتربطه علاقات قوية ببعض أجهزتها الحكومية. وعلى الرغم من الدور الكبير للجناح الإسلامي في تسيير المجهود العسكري للإطاحة بحكم القذافي، يبدو أن هناك اتجاهاً من القوى العلمانية الذى قام الجانب السياسي من « الثورة » للحد من نفوذهم، بدعمٍ من القوى الغربية وخاصة فرنسا. في حين يعتقد أن قطر تدعم القادة العسكريين الإسلاميين. وهنا يظهر التحدي الثاني لقيام عملية سياسية سليمة في ليبيا، ألا وهو تبعات التدخل العسكري الذي تمَّ لمساعدة الثوار على تحقيق هدفهم بإسقاط نظام القذافي، حيث أشرع الاستناد إلى هذا التدخل الباب لنفوذ الدول الأورووبية في ليبيا. وليس أدلَّ على هذا من التحركات والنشاط المكثف للدبلوماسيين الغربيين في بنغازي و العاصمة طرابلس. فالأكيد أن للدول الأوروبية معايير للنظام السياسي، قد تؤدي محاولاتها لفرضها أو الدفع التحكمي باتجاهها إلى توترات سياسية تعرقل سير العملية السياسية. وبالفعل فقد ثار الجدل في الأوساط الإعلامية الغربية مع أول تصريحٍ يؤكد فيه "عبد الجليل مصطفى" رئيس المجلس الوطني الانتقالي على التزام المجلس بالشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع. في هذه الأثناء ينتظر الليبيون من الساسة الليبيين تلبية حاجاتهم اليومية المعيشية التي كانت أحد المطالب التي ثاروا من أجل تحسينها، ولكن حربهم الطويلة مع القذافي فاقمت - ولو مؤقتًا - من تدهور حالها. صحيح أن المحاولات قائمة لاستعادة الطاقة الانتاجية للنفط الليبي إلى مثل ما كانت عليه قبل نهاية العام القادم، إلا أن سعي الناس لتلبية حاجاتهم قد يسبب مشاكل وتوترات غير مفيدة لعملية سياسية وليدة. المجلس الوطني الانتقالي وضع خططًا تفصيلية للمرحلة الانتقالية، و شَكَّلَ حكومة انتقالية من المفترض أن تتخد من طرابلس مقرًا لها، لتدير شئون البلاد حتى موعد الانتخابات المقررة العام المقبل. ومن غير المستبعد أن تتعرض المرحلة الانتقالية لتأجيلات وإخفاقات بفعل النزاعات السياسية والمشاكل الأمنية، ولكن التحدي هو ألا تعطل في النهاية سير ليبيا نحو نظام سياسي وديمقراطي يلبي طموحات الليبين.