أفكر كثيراً في القوانين المقترحة الأيام الماضية والتصريحات التي تخرج من المسئولين حول ترويض الصحافة وحرية تداول المعلومات و حق المواطن في معرفة الحقيقة، و أسأل نفسي إذا كانت الدولة مصرّة علي أن تحول الصحفيين إلي موظفين ينقلون ما تريده فقط وينشرون ما يخرج منها من بيانات، إذاً فلتغلق الصحف و لتقبض علينا كصحفيين و تسمع المواطن ما تريده هي فقط ولتمنع النشر في أي قضية لها علاقة بالقبض علي إرهابيين أو مواجهات معهم و لتضع موظفاً علي هواها يتسلم البيانات من الوزارات ويعيد صياغتها و ينشرها ولتعطي للأمن الوطني حق اختيار ما ينشر و ما لا ينشر من جلسات المحاكمات وليكن هو الجهة الوحيدة المخولة بتصوير الجلسات ولنتحول إلي كوريا الشمالية. عفواً تلك ليست مجرد اقتراحات مني من باب مساعدة الدولة في السيطرة علي الإعلام فأنا في نهاية الأمر صحفي كل ما يهمني هو مصلحة البلاد و احترام الدستور وحق المواطن في معرفة الأحداث و حرية الرأي و التعبير وما أكتبه اليوم سيكون دفاعاً عن مهنتي لكن ما سبق وذكرته في الفقرة الأولي هو ما ستؤول إليه الأمور إذا استمرت الهجمة الشرسة لأجهزة الدولة علي الإعلام. علي مر التاريخ كان دور الصحف ووسائل الإعلان وهو أن تكون صوت من لا صوت له وان تنقل الحقيقة للمواطن لكن الإجراءات التي تتخذها الدولة و ممارسات وزارة الداخلية و القوانين التي تصدر ستحول الصحف إلي نشرة تنقل بيانات الحكومة فقط كل ما تحتاج إليه موظف يصيغ تلك البيانات لتكون صالحة للنشر. بالأمس القريب ظهر مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي جاء في المادة ال"33" منه أنه يُعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن، وعدد من المواد الأخرى التي ستؤثر سلباً علي حرية الصحافة منها المواد 26، 27، 29، 37 والتي تحمل في طياتها عبارات مطاطة تعيد فكرة الحبس في قضايا النشر وتخالف المادة رقم مادة 71 في الدستور التي تحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها كما تمنع توقيع أي عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية. مواد مكافحة الإرهاب تضعنا أمام معضلة فكلمة بيانات غير حقيقية و التعمد في نشر أخبار كاذبة غير واردة في الصحف لكن هل يعد نشر معلومات من مصدر بيانات كاذبة إذا أعلنت الدولة بيانات مخالفة إذا كان الأمر كذلك فستغلق كل الصحف و سيتحول الصحفي إلي موظف يتلقي بيانات ولا يأخذ معلومة من مصدر ولا ينشر تصريحا قد يحمل بيانات غير صحيحة إذاً فهو لن ينشر شيئا سيجلس علي مكتبه ينتظر البيانات الرسمية. وقبل ذلك المشروع اعتدنا في كثير من القضايا خلال الأسابيع الماضية صدور قرارات بعدم النشر فيها و قبلها تم القبض على عدد من الصحفيين أثناء ممارسة عملهم منهم "شوكان" الذي ما زال يقبع خلف القضبان وأحمد جمال زيادة الذي ظل سجيناً لأكثر من 500 يوم لممارسته عمله و أخيراً الصحفيين الذين تواجدوا داخل مشرحة زينهم منذ عدة أيام. في كل دول العالم يوجد محرر عسكري يتواجد مع الجيش في العمليات العسكرية لينقل الأخبار وفي مصر كان الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحد الأيام محررا عسكريا تواجد مع الجيش ونقل الأخبار و أرّخ لمرحلة طويلة في تاريخ مصر وفي كل دول العالم يوجد محررون ميدانيون ينقلون ما يرونه بأعينهم ولا تعترضهم الشرطة ولا تقبض عليهم وفي كل دول العالم يوجد مصورون في كل مكان لا يمنعون من التصوير وفي كل دول العالم تكون المعلومات عن الأحداث متوفرة للصحف لكي تستطيع أن تنقل الحقيقة للمواطنين. في كل دول العالم تصدر الصحف دون أن يتم مصادرتها لوجود موضوع تعترض عليه جهات داخل الدولة كما حدث مع صحيفة الوطن في عددين لها وصحفية المصريون في عدد لها وصحيفة المصري اليوم في عدد لها في كل دول العالم يحق للشعب أن يعرف الحقيقة دون تزيين أو تغيير. لكن يبدو أن الحكومة لدينا لديها معضلة في تلك الحقائق ولديها معضلة في ما ينشر لذا عليها أن تختار إمام أن تغلق الصحف و تقبض علينا أو تتركنا نمارس عملنا إما أن تنظر إلي الدول المتطورة وكيفية إدارتها و تداول المعلومات فيها أو تحولنا إلي كوريا الشمالية .. لا يوجد حلول وسط لكن بالنسبة لي ولمن أعرفهم من الصحفيين سيظلون يمارسون عملهم ويكونون صوتاً لمن لا صوت له إلي النهاية.