جلال دويدار كلنا مع حرية التعبير ونبذ أي قيود علي كل وسائل الاعلام تحد من حريته باعتباره حقا دستوريا.. ولكن في نفس الوقت فإن كل الدساتير والقوانين والاعراف تقضي بضرورة الالتزام بالحقوق والواجبات باعتبارها الأساس الذي يجب ان يحكم السلوك العام في المجتمع. إن غير ذلك يعني تحول أي مجتمع إلي فوضي وانفلات يطولان الركائز الأساسية التي يستند إليها.. وتضمن ارساء دعائمه. في هذا الإطار فإنه ليس مسموحا بأي حال من الأحوال ووفقا للمبادئ التي يقوم عليها ميثاق الشرف الصحفي والاعلامي عدم مراعاة الدقة والأمانة والقيم الأخلاقية في تناول أي قضية. الالتزام بهذه المبادئ يعد مسئولية اساسية لرئيس أي جهاز اعلامي حيث ان عليه قراءة ومراجعة كل الأخبار والمواد المعدة للنشر أو العرض أو الإذاعة. لابد من مراعاة العقل والمنطق في هذا التعامل خاصة في الجانب الذي يتعلق بالأرقام والاحصائيات. لا يمكن ان تترك أمور الكتابة والنشر في هذا المجال لصحفيين لم يتمرسوا بالعمل الصحفي يفتقدون للخبرة والتخصص نتيجة غياب عنصر التدريب والتعليم الذي هو من اساسيات بناء أي صحفي أو اعلامي. كل الشواهد والدلائل تؤكد ان نتيجة هذا التعاطي وهذا الاهمال في النشر هو التورط فيما يؤدي إلي اضرار بالغة بالصالح العام ويقود إلي تشويش المعلومات والبيانات المقدمة للقارئ أو المشاهد أو المستمع.. وبهذه المناسبة أذكر أنه كان لدينا في »الأخبار« قسم للمعلومات يضم خبراء يعملون إلي جانب رئيس التحرير ومدير التحرير ورؤساء الأقسام تتركز مهمته في مراجعة الأخبار والموضوعات وما تحتويه من معلومات وأرقام قبل نشرها لضمان توافر المبادئ الأساسية التي تضمن الدقة والمصداقية. كان المسئول عن هذا القسم مؤهل للقيام بهذه المهمة والتأكد من صحة ما يقدم من مواد صحفية متحملا مسئولية تصحيحها قبل اعدادها للنشر . دفعني إلي تذكر هذا النظام الذي كان يقوم علي تفعيل مبادئ ميثاق الشرف الصحفي ما قرأته في احدي الصحف التي احترمها واواظب علي قراءتها . الخبر يتعلق بمساعي الاستجابة لتطلعات موظفي الدولة إلي تطبيق حد أدني وأقصي للأجور يحقق العدالة الاجتماعية التي طالبت بها ثورة 52 يناير. أفزعني ما ذكرته الصحيفة من أرقام نقلا عن خبير يتولي رئاسة مركز اقتصادي معروف قال ان تطبيق قرار الحد الأقصي سوف يوفر 29 مليار جنيه حال تنفيذه علي موظفي الحكومة والقطاع العام وأن تطبيقه علي الجهاز الاداري للدولة وحده يوفر 04 مليار جنيه!! بحثا عن الحقيقة سألت مسئولا اقتصاديا كبيرا عن حقيقة هذه الأرقام . قال صارخا بأعلي الصوت ان نشر هذه المعلومات وبهذه الطريقة المغلوطة يمكن »يودي« البلد في داهية!! اضاف كيف بالله يمكن توفير 29 مليار جنيه جراء تطبيق الحد الأقصي للأجور بينما يمثل هذا الرقم جملة الأجور كلها في الموازنة العامة للدولة. هذا الكلام يعني الاستغناء عن كل موظفي الدولة والقطاع العام وعددهم 6.5 مليون. تساءل هذا المسئول: ألا يوجد من يحاسب وسائل الاعلام عن هذه الأخطاء الفادحة وما يمكن أن تحدثه من تداعيات وتأثيرات سلبية علي المجتمع؟. طالب بضرورة ان تكون هناك آلية تابعة لنقابة الصحفيين تتولي مثل هذه الأمور وتعمل علي وقفها أو الحد منها من خلال إجراءات عقابية تستهدف حماية المجتمع والمهنة. حول هذه الأرقام التي اتسمت بعدم الدقة والمصداقية فانني لا اعتقد صدورها عن هذا المسئول الاقتصادي الذي أشارت إليه الصحيفة.. الشيء المؤكد انها غلطة »المحرر« الذي كتب الخبر والذي تتحمل مسئولية نشره الجريدة.