التعليم العالي: في التعليم العالي أغلب الدول المتقدمة تكون الدراسة فيها تحتوي على ساعات معتمدة و ليس منهج ثابت. فمثلا نجد طالب هندسة تكون دراسته الأساسية الهندسة النووية و معها دراسة فرعية في التاريخ. أو متخصص في علوم النبات كمادة أساسية و معها مادة فرعية في علوم النفس. مما يصنع كما شرحنا من قبل الشخص المتفرد المتميز الذي يملك مواهب متعددة تترابط مع بعضها البعض لتصنع شخص مبدع ينظر و يربط بين الأمور بطريقة تختلف عن الآخرين. و هذه العلوم و المواد يختارها الطالب نفسه بما يراه مناسبا لطموحاته و ميوله و بما يراه مناسبا لاحتياجات سوق العمل. و يمكن أن يكون هناك مكتب متخصص لتوجيه النصائح للطلاب في اختيار ما يناسبهم دون إجبار. حيث لا يوجد منهج ثابت مكرر يتم حشو جميع العقول به. بل هناك ألوان كثيرة من العلم يجمع الطالب بين ما يريد منها ليصنع تميزه و تفرده. و كلما كان اختيار النهج الدراسي و الطريقة التي يتم بها التدريس و المدرسين أنفسهم بواسطة الطالب كانت منظومة الطالب المبدع أقوى. فمثلا في جامعات عصور ازدهار الحضارة الإسلامية كان الطالب يدرس الكتب التي يريدها على يد العالم الذي يريده و في الفترة التي يريدها و في النهاية يكون هناك امتحانات. و الامتحان يكون للتأكد من أمرين: أولا أن الطالب لديه الحد الأدنى من المعارف و المهارات الأساسية المطلوبة للنجاح في العلم أو المهنة التي سيتخصص فيها ، ثانيا أن الطالب قادر على تطوير نفسه باستمرار حتى بعد انتهاء دراسته الجامعية و لن يتوقف فقط عند ما تعلمه في الجامعة. و هذا هو المثال الذي تحتذيه جامعات الدول المتقدمة اليوم. مثلا في كليات الطب نجد تطوير التعليم الطبي يحتاج إلى أن يلتزم الطلاب في كليات الطب بمنهج بسيط للحفظ و التذكر ، لكن معه تنمية لقدراتهم على البحث و النقد و التحليل و العمل ضمن فريق. و القدرة على البحث تتكون من تنمية القدرة على تحليل مصادر المعلومات فيما يسمى الطب المبني على الدليل و هو أن يستطيع عقل الطبيب و تحليله للمعلومات و الأبحاث المتوفرة أن ينتقي منها أقوى الأبحاث و أكثرها ملائمة لاحتياجات المريض و المجتمع و الإمكانيات المتوفرة. و ربط هذا البحث بالتقييم المستمر فيقوم الطبيب بعمل أبحاث مستمرة في موقعه لتقييم نتائج العلاج و البحث عن حلول للمشاكل التي يواجهها في مجتمعه بدلا من أن يظل مقلدا للآخرين. فالمعلومات موجودة في كل مكان و الوصول إلى المعلومات ليس هو المشكلة في العصر الحديث. لكن المطلوب هو طبيب قادر على العمل ضمن فريق و قادر على مهارات القيادة ، و قادر على مهارات التواصل كي يستطيع التعامل مع المريض، و يمتلك مهارات الإدارة كي يستطيع إدارة منشأة صحية أو على الأقل التعامل بطريقة صحيحة مع الفريق الطبي و الزملاء العاملين معه كي يقود الفريق لتحقيق الهدف و هو شفاء المريض. هذه المهارات البسيطة للتواصل و الإدارة هي التي تصنع طبيبا ناجحا. فما قيمة طبيب يستطيع أن يجري جراحة بمهارة بينما لا يستطيع التعامل باحترام و مهنية مع المريض؟ الحلول تأتي بتعديل منظومة التفكير في كليات الطب و صانعي القرار فيها فبدلا من أن تكون الأولويات هي الاهتمام بالنواحي السياسية و الأمنية. يجب أن يكون اهتمام صانعي القرار في كليات الطب هي تنمية قدرات الطلاب في البحث العلمي و النشر الدولي عن طريق دورات إضافية مع تطبيقات عملية. و إضافة دورات للتنمية البشرية لصناعة طبيب يتمتع بشخصية محترمة و أخلاق و علم و حكمة. و هذه الحلول ليست مكلفة و لا تحتاج إلى مجهودات خارقة ، لكنها فقط تحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات لأن المستقبل للعقول المبدعة الواثقة من نفسها و القادرة على البحث و التجربة و النقد. و هذا المثال من التعليم الطبي يمكن تعديله حسب كل تخصص و علم من العلوم و احتياجات سوق العمل من الخريجين. فما يجب أن يتغير هو كيف تصل المعلومات و كيف يحصل عليها الطالب و ليس كمية أو نوع المعلومات. فنحن نحتاج إلى الإنسان الناجح المتمكن الذي يعرف كيف يبحث عن المعلومات و يطورها و يبدع فيها و كيف يكتسب المهارات و يطبقها و كيف يتعاون مع من حوله لتنفيذ المهمات و الوظائف. و ليس مجرد حافظ لبعض المعلومات التي ينساها فور انتهاء الامتحان.