لا يمكن أن يمر رمضان دون وقفات مع القرآن الكريم, ولعلنا نقف مع حدث عظيم جرى على أرض مصر فهو جدير بالتوقف والتأمل, ولم لا؟ , وقد قال الله عن القرآن ثم عن قصة يوسف التي جرت معظم أحداثها في مصر إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ –نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ – ثم قال الله سبحانه في خاتمة القصة [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] نعرف ما كان من حقد إخوة يوسف عليه, ونعرف ما كان من خبر القائه في الجب ثم نجاته ووصوله الى مصر حيث قصر الحكم (عزيز مصر) وما كان من تمسكه بالفضيلة وعدم رضوخه لغواية سيدة القصر, ثم ما كان من سجنه تنكيلا به , ثم كانت رؤيا الملك التي أهمته وافزعته .. نعود الى يوسف في السجن, وما كان من حديث مع رفاق السجن وصولا لرؤيا الملك, يبدو أن يُوسُف عليه السلام وهو في قصر العزيز قد سمع عن عدل الملك, ولعل ذلك ما دفعه أن يقول للساقي الناجي (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ),وقد أظهرت الأحداث أن ملك مصر[ الكافر] كان لديه صفات رفيعة في الحكم: 1/ توسيع دائرة الشورى : عرض الملك الرؤيا وقال [أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ] مشترطا العلم[إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ], ولم يقتصر على رجال الدولة بل لم يحتقر مساهمة ساقيه في الإدلاء برأيه. 2/ التريث : سمع تفسير يوسف فلم يهمله,وأراد التأكد بنفسه فقال (ائْتُونِي بِهِ) 3/ عدم الكبر: لديه عبد مسجون مغترب يرفض طلبه (طلب الملك) في الحضور حتى يتم التحقيق في قضيته, فيقبل ولم يقل (كيف يرفض طلبي؟ أحضروه في أغلاله وقيوده) ! 4/ التحقيق العادل: كلف الملك من يقوم بالتحقيق العادل الذي لا يميل مع أهل السلطة, سيدة القصر (زوج عزيز مصر) وينتصف لعبد وسجين ومغترب !! 5/ سماع الدفاع: لم يكتف الملك بالتحقيق العادل الذي انتهى الى ظهور الحقيقة أن النسوة هن من راودن يوسف عن نفسه, لكنه استدعاهن وواجههن بحقيقة التحقيقات: (مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) 6/ قوة الملك في الحق : لم تستطع امرأة العزيز الكذب على الملك كما كذبت على زوجها ,فظهرت الحقيقة المؤكدة بالإقرار 7/ المعيار صحيح لتولي المناصب: لم يقل الملك: كيف يتولي إدارة أكبر أزمة غريب عن البلاد؟ كيف يتولي المهمة رجل خرج من السجن؟ كيف يتولي المهمة عبدا مملوكا؟ لم يكترث الملك بذلك كله عندما اطمأن الملك الى علم يوسف أولا , واطمأن الى أخلاقه ثانيا فقال (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) - (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) هكذا تجاوزت مصر أزمتها , بل فاض خيرها على من حولها من البلاد بإقامة العدل أولا ثم بتولية المناصب بمعياري الأخلاق والكفاءة ..