ماذا أنا فى هذا الكونِ الهائل؟ وماذا تعنى الحياةُ فى نفسٍ حائرةٍ؟ ها هى أيامى على وشكِ الرحيل، ونفسُ استفهاماتِ الصبى الصغير قابعةٌ فى أحشائي، الحياةُ والموتُ والعدمُ! عالمُ الغيبِ والشهادةِ، والجنة والنار، أحياناً أرانى ثابتَ اليقين لا أتزعزعُ، وكثيراً أجدنى كمَن يسيرُ فوق الأشواكِ مُشمِّراً ثوبَه، ونادراً ما صفعتنى صفحةُ الأشواق، لكن.. لم يغادرنى الرجاءُ فى اللهِ وحُسنُ ظنِّى به، ولم أعدمْ لحظةً بصيصَ أملٍ يتوارى خجلاً، وكلما زادَ عمرى واحدودبَ ظهرى أتمنى أن أعودَ كما كنتُ طفلاً يبحثُ عن ثدى الحقيقة، فحَلَمَةَ العدلِ لم تُدفع فى فمى منذ وعيتُ الحياة، لذا تصرخُ أعماقى كرضيعٍ يأملُ ريّاً من نهدِ الدنيا الشحيحة، فقسوةُ ما بعد الطفولةِ لا أحتملُها، ومرارةُ الواقعِ لا طاقة لى بها؛ وأعلمُ أنَّ الموتَ الذى أفِرُّ منه ملاقيني، وحتماً ستخلو مقاعدُ الدنيا من المشاهدينَ لأحداثها الآن، وسيأتى غيرُنا ليستقلوا قطارَ الحياةِ، فكلُّنا على بعدِ خطوةٍ واحدةٍ من الرحيل، وحين يأخذُ الفزعُ بمجامع القلبِ، لحظةُ العضِّ على الأناملِ وتمنى العودة التى لا تعود، سنعيشُ برودةَ الأطرافِ، وتمتمات الاحتضار، ثم لحظات النزع، وحين يتأملون ما تركنا لهم سيلعنون ضعفنا وتخاذلنا، فاكتبْ يا أنا أثراً طيباً قبل أن تُقطفَ وردتُك من مغْرسِها، وبادر وقاوم الظلمَ قبل أن تتوقفَ سفينةُ حياتكَ فى مرساها الأخير، فربما تبكيكَ المآقي، وربما يفقدكَ مسجدُك ومصعدُ عملِك الطيب. يا رب... نسألكَ حسنَ الخواتيم.