مع أنّ الحياة في حي "الكيلومتر 5" في بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى، بدأت تستعيد نسقها الطبيعي تدريجيا، إلاّ أنّ سكان هذا الحيّ ذو الغالبية المسلمة، لايزالون، أسبوعا قبل حلول شهر رمضان الكريم، عاجزين عن التنقّل وقضاء حوائجهم في ظلّ تواتر أعمال العنف في المنطقة، وفقا لشهادات متفرقة للأناضول. أحد التجار في السوق المحلي في بانغي قال للأناضول إنّ "سكّان الحيّ يشعرون بالخطر بمجرّد محاولتهم الذهاب لقضاء حوائجهم"، لافتا إلى أنّ "أحد الشباب المسلمين حاول، مؤخرا، الخروج من حي الكيلومتر 5، متوجّها نحو حي فاطمة المجاور، غير أنّه تعرّض للقتل بوحشية على يد ميليشيات أنتي بالاكا (المسيحية)". ألكالي أليم، هو أيضا من سكان حي المسلمين في بانغي، قال للأناضول، متحدثا عن المخاوف التي تجبر سكان "الكيلومتر 5" على ملازمته: "نخاف ملاقاة المصير ذاته الذي عرفه الكثير من مسلمي أفريقيا الوسطى (خلال النزاع الطائفي المندلع، منذ أواخر 2013، بين تحالف "سيليكا" وهو إئتلاف سياسي وعسكري مسلم، وبين ميليشيات أنتي بالاكا المسيحية)"، مضيفا أنّ "أعمال العنف التي تستهدف المسلمين لاتزال جارية رغم توقيع اتفاق نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في أفريقيا الوسطى على هامش منتدى بانغي المنعقد في مايو/ أيار 2015". وانعقد منتدى بانغي، من 4 إلى 11 مايو/ أيار الماضي، للتوصّل إلى سبل إرساء المصالحة الوطنية بين فرقاء الأزمة في أفريقيا الوسطى، وانتهى بتوقيع ما يشبه معاهدة تضمّنت إعادة جدولة الأجندة الانتخابية، والإبقاء على السلطات الانتقالية الحالية، واتفاق وقف التعبئة ونزع السلاح، إلى جانب إعادة الإدماج وعدم الإفلات من العقاب، وتقنين الأعياد الإسلامية. ورغم أنّ مسلمي عاصمة أفريقيا الوسطى غالبا ما تستهدفهم أعمال العنف الطائفي، وتجبرهم على ملازمة حيّهم، إلا أنهم يستقبلون، بأذرع مفتوحة، عددا كبيرا من السكان غير المسلمين، ممن يفدون على حيّهم، كلّ يوم، بغرض التزوّد من سوقه الشهيرة بعرضها لمختلف أنواع السلع والخضر. فسوق حي "الكيلومتر 5"، والذي أوصدت أبوابه طوال سنتين، بسبب النزاع الطائفي، دبّت فيه الحياة من جديد، منذ شهر تقريبا، حيث فتحت المحلات التجارية من جديد، وحلّ الوئام بين المسلمين والمسيحيين بعد جفاء وعداء كادا أن يقودا نحو كارثة إنسانية. وترقب قوات البعثة الأممية في أفريقيا الوسطى "المنيسما"، والعملية الفرنسية "سانغاريس"، إلى جانب قوات أفريقيا الوسطى، الوضع عن كثب، وتتكفّل بتأمين حيّ لطالما اعتبر من أخطر بؤر الصراع الطائفي في البلاد. ألكالي أليم عاد ليعرب عن ترحابه بالمصالحة التي تمت بين الطائفتين المسلمة والمسيحية، متهما بعض الأطراف "التي غذّت العداء والنزاع بين المسلمين والمسيحيين" (دون أن يذكرها)، على حدّ قوله، مشيرا، في حديث للأناضول، أنّ "كلّ المآسي انتهت، والحيّ أضحى مفتوحا أمام جميع سكان أفريقيا الوسطى". لكن، ورغم الترحاب الذي يبديه المسلمون حيال غيرهم من سكان البلاد، إلاّ أنّهم "لايزالون غير قادرين على الذهاب إلى الأحياء المسيحية خشية التعرّض للاعتداء"، بحسب علي أوتشي، وهو بائع توابل مسلم في حي الكيلومتر 5. أمّا ناديجي، وهي مسيحية عادت لتوّها لتستقر في حي المسلمين في بانغي، فقالت، من جانبها للأناضول، إنّ "ما يهمّ الأن هو إعادة بناء البلاد، وينبغي نسيان كلّ ما حدث". ومن جهته، صرح وزير الأمن العام في أفريقيا الوسطى، نيكاس صاميدي كارنو، مؤخرا للصحافة، قائلا "إنّ حي الكيلومتر 5 يعدّ إحدى النقاط الأكثر أمانا في بانغي، ولقد شرعنا، منذ شهرين، في فتح مركز الشرطة بالدائرة الثالثة، كما شكّلنا لجنة للتصدّي للانحراف بدعم من عدد من الشباب والنساء وجميع الزعماء الدينيين (أئمة وكهنة) وأعيان المنطقة". البنك التجاري لأفريقيا الوسطى استفاد بدوره، من عودة الاستقرار النسبي، وقرر إعادة فتح فرعه في حي "الكيلومتر 5"، وسط فرحة عارمة من قبل السكان، والذين كانوا يضطرون إلى الذهاب إلى وسط المدينة (المقر الرئيسي للبنك) للقيام بأي معاملة مصرفية. قال ، آديرو بالا- دودو رئيس بلدية الدائرة الثالثة في بانغي، والتي يعود حي المسلمين إليها من الناحية الإدارية، إنّ سكان هذا الحي "كانوا يلاقون صعوبات كبيرة في الذهاب إلى المدينة"، مضيفا أنّ "العديد منهم كانوا لا يجدون من حلّ سوى طلب مرافقتهم من قبل الجنود لقاء مبلغ من المال". ومن جانبه، قال رئيس فرع البنك التجاري لأفريقيا الوسطى في حي المسلمين، محمد غوني، أنّ "الكيلومتر 5 يعدّ الرئة التي تتنفّس عبرها الأنشطة الاقتصادية في مدينة بانغي، وحين أوصد هذا الفرع أبوابه، طالب زبائنه وأعيان الدائرة بإعادة فتحه". وشهد حي الكيلومتر 5 ذو الأغلبية المسلمة في بانغي، خلال الأزمة الطائفية التي تهزّ أفريقيا الوسطى منذ ديسمبر/ كانون الأول 2013، أعمال عنف دامية وضعت المسلمين والمسيحيين في المواجهة، وأسفرت عن مقتل 5 آلاف شخص، وتشريد حوالي مليون آخرين، وفقا لأحدث بيانات الأممالمتحدة.