يتوهم بعض العرب والمسلمين أن بعض الحكومات الصليبية الاستعمارية يمكن أن تكون صديقا لهم وحبيبا وسندا. وهو وهم لا أساس له من الصحة في الواقع ولا في التاريخ . فالواقع العملي واليومي ؛ يشير إلى أن دول أوربة وأميركا تمارس سياسية الإذلال والإفقار والقهر ضد شعوبنا العربية المسلمة ، وتسعى بكل الوسائل إلى إضعاف الأمة الإسلامية والهيمنة على مقدراتها السياسية والاقتصادية والثقافية بل والاجتماعية ، وما أنصفت الدول الصليبية دول الإسلام يوما على مدى التاريخ الحديث ، بل كانت في كل الأحوال ضدها بالمكر والخداع والتضليل ، أو بالطرق المباشرة ، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي ، أو في المحافل الدولية العالمية . أما التاريخ فيحكى عن الحروب الصليبية الآثمة التي شنها الصليبيون الأوربيون ، واستمرت قرونا عديدة ، بل استمرت حتى اليوم ، وهي حروب وحشية إجرامية همجية ، لاتعرف الرحمة ، ولا تؤمن بالقيم الإنسانية ؛ وإن أكثرت هذه الدول من الحديث عن المحبة والأخوة والتسامح والتعاون ، ولكنها في حروبها القديمة والحديثة والمعاصرة كانت مثالا للتوحش والقسوة والشراسة غير المسبوقة في التاريخ ، ولا تستحي أن تغلف تصرفاتها الهمجية بالكذب الصراح الفاجع والفاجر ، ولعل ما حدث ويحدث في أفغانستان والعراق وفلسطين ، يمثل أبرز الأدلة وأوضحها على كذب الغرب الصليبي وفجوره واستهانته بعقل العالم ومنطق البشر . وحين يفاجئ الرئيس الفرنسي " شيراك" العالم الإسلامي – وأقول الإسلامي بالذات لأنه المخدوع دائما والملدوغ باستمرار من الجحر الصليبي – بتهديداته النووية لمن سماها الدول التي ترعي الإرهاب ، أو تتبني أفكارا تتحدث عن صراع الحضارات ، فإنه يعبر عن الوجه الحقيقي للصليبية الشريرة الوحشية ، في دمويتها وهمجيتها ، وعدم مراعاتها للقيم الإنسانية والخلقية التي تواضعت عليها البشرية ، وحثت عليها الأديان ومن بينها النصرانية أو المسيحية في جوهرها الأصيل .. إن شيراك – مثله في ذلك مثل غيره من زعماء الغرب الصليبي – يعبر عن الوحشية التي حكمت السلوك الأوربي الوثني منذ عهود الإغريق والرومان ، واشتعلت في القرون الوسطى عبر القتال الذي دار بين القبائل الأوربية ، والحرب التي أبادت الهنود الحمر في أميركا ، وختمت أو لم تختم بإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي في اليابان لتحول الحياة والأحياء إلى مجرد أرض قاحلة لا تزرع ولا تنبت ولا تخفق بنبض الحياة ! ومن الغريب أن بعض المهزومين والخونة و العبيد من بني جلدتنا يعتقدون أن شيراك يمثل نموذجا متفتحا ومستنيرا وإنسانيا ، ويرونه حائط صد ضد صعود الموجة الصليبية الجديدة التي يسمونها التيار اليميني المحافظ ، ولكنه أثبت لهم بالدليل القاطع أنه لايقل وحشية ودموية عن أولئك الصليبيين الصرحاء فقد أعلن بكل جرأة ووضوح غير مسبوق؛أنه سيحافظ على "أمن فرنسا " باستخدام القوة النووية . لم يخافت بها ولم يتلجلج .. بل كان صريحا إلى حد الفجاجة والحيوانية ؛ فهو يعلن على الدنيا كلها أن "فرنسا" لاتقل وحشية عن أميركا التي استخدمت اليورانيوم المنضد ، والفوسفور الأبيض في أفغانستان والعراق ( وهى أسلحة محظورة تمثل درجة أقل من القوة النووية )، فضلا عن استخدام القنابل الذرية في اليابان أواخر الحرب العالمية الثانية . " شيراك " الذي يحارب الإسلام في فرنسا ويحرم على المسلمات ارتداء الحجاب ، وتصدر حكومته قانونا يمجد الوحشية الفرنسية أيام الاستعمار الفرنسي في إفريقية وشمالها خاصة ، يضيف إلى ذلك إعلانه الصريح الواضح باستخدام القوة النووية ضد الدول التي ترعي الإرهاب أويجري فيها الحديث عن صراع الحضارات، هو لايقصد الدولة العبرية أو الولاياتالمتحدة التي تمارس الإرهاب جهارا نهارا ، وتتحدث عن صراع الحضارات وتنفخ في ضرورة مواجهة الحضارة الإسلامية بوصفها الخطر الذي يهدد الحضارة الإنسانية ،ولكنه يقصد الدول الإسلامية تحديدا ، لأنها المتهمة بالإرهاب ورعايته ، وهى التي تتحدث عن مقاومة الاستعمار الأميركي وحلفائه ، وهى التي يجب أن تعاقب وفقا لمفهوم شيراك ! هل هي مجرد مصادفة أن تبدأ الحروب الصليبية في القرون الوسطى انطلاقا من سانت مونت كلير بفرنسا عام 1095م، وتهدر الجماهير المتوحشة مع البابا أوربانوس السادس ، وبطرس الحافي : إنها إرادة الله !، وتنطلق من فرنسا أيضا أول دعوة صريحة لاستخدام القنابل النووية ضد المسلمين ؟