عاد الفريق أحمد شفيق من جديد إلى صورة المشهد السياسي الملتبس في مصر ، بعد التسريبات الصحفية التي أرسلت عبر جهات سيادية تهديدات له بأن يتوقف عن "اللعب" في الداخل المصري وأن كل تحركاته مرصودة ، ومن يتعاون معهم معروفون ، وأن هذا إنذار أخير ، وأنه لن يسمح له بأن يكون له أي دور في المستقبل ، في المقابل ، حاول معسكر الفريق شفيق أن يهدئ الأجواء ويرطبها بالقول أن هذا الكلام كله هواجس وادعاءات من أطراف تريد أن تتقرب للسيسي باختراع مخاوف ومخاطر عليه وأنهم يتصدون لها ، كما أكدت مصادر شفيق وليس شفيق نفسه أنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية مرة أخرى ، وذكرت بأن الفريق سبق وساند السيسي في الانتخابات ، لكنها لم تشر إلى التسريب الصوتي لها حينها والذي شكك في نزاهتها ، والغريب والمثير هذه المرة أن تلك "المصادر" التي سربت الهجوم على شفيق تتحدث للمرة الأولى عن مؤامرة ضالعة فيها جهات إماراتية لدعم شفيق ووضعه كبديل يمكن أن يفكك الاحتقان في مصر وينهي حقبة غياب اليقين . بطبيعة الحال ، من الصعب أن يطرح سيناريو شفيق رئيسا هذه الأيام ، لأن هذا السيناريو دونه عوائق ومشكلات كبيرة ، كما أنه يمثل مخاطرة غير مأمونة العواقب في ظل وضع سياسي وشعبي غامض ، ولكن المؤكد والواضح أن معسكر شفيق يراهن على انتخابات البرلمان المقبل لكي يعود من "الشباك" بعد أن استعصى عليه الباب ، والدستور الحالي يمنح الكتلة السياسية التي تحوز على غالبية البرلمان سلطات واسعة تجعلها رأسا برأس رئيس الجمهورية ، كما يمكنها من إلغاء جميع التشريعات التي اتخذها ، سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو غيرها ، وفرض التشريعات التي تحقق رؤيتها أو مصالحها ، بما يعني محاصرة الرئاسة وقصقصة أجنحة الرئيس ، كما يتاح لها وضع الرئيس نفسه تحت تهديد سحب الثقة منه وإسقاطه ، وشفيق الذي حصل في انتخابات رئاسة الجمهورية على أكثر من اثني عشر مليون صوت ، يمثل رهانا للنظام القديم وآخرين بأن يكون فارس هذا المشوار ، وقد ثبت من تجربة "تونس" أن المال السياسي ، الخارجي أولا والداخلي ثانيا ، يمكنه أن يحسم الأمور في الانتخابات ويحقق أغلبية مريحة في البرلمان ، وقد نجحت الإمارات في منح "العجوز" قائد السبسي الذي شكل حزبا من بقايا حزب بن علي حوالي ثلثي البرلمان ، إضافة إلى نجاحه في انتخابات الرئاسة ، ولا يوجد ما يمنع تكرار التجربة في مصر . معسكر السيسي يعرف جيدا ما يفكر فيه معسكر شفيق وداعموه ، في الداخل والخارج ، كما يعرف جيدا مصادر القوة والقدرات المالية التي يمكنها توجيه دفة الأمور ، ولذلك تم تأجيل انتخابات البرلمان إلى أجل غير معروف ، بحجج واهية ، وألاعيب شيحة التي يتقنها "خبراء" قانون من بقايا الدولة العميقة ، ورغم أن الدستور يوجب البدء في انتخابات البرلمان أو أعمالها خلال ستة أشهر منذ اقرار الدستور ، إلا أننا الآن بعد سنة ونصف من ذلك الوقت ولا يوجد برلمان والأمر معلق على المجهول ، كما أن هناك ترتيبات تجري لتحريك مطالب بأن تتم الدعوة إلى استفتاء لتعديل الدستور ، بحيث يتم إلغاء كل الصلاحيات التي منحت للبرلمان ورئيس الحكومة ، وإعادتها لرئيس الجمهورية ، لمنع سيناريو الازدواجية أو عودة البعض من الشباك ، وإعادة نمط الفرعونية السياسية السائد إلى القصر الجمهوري من جديد ، بل وصل الأمر إلى حد دعوة رؤساء أحزاب موالية للسيسي إلى الاستفتاء على إلغاء البرلمان نفسه بالكامل ومحو صلاحياته من الدستور ، وهي دعوة مجنونة بالفعل ، ولكنها تكشف عن مستوى العصبية من ضغط هذا الموضوع على السلطة القائمة ، كما يأتي الإصرار على منع شفيق من العودة إلى القاهرة ، رغم مرور سنتين على إسقاط حكم مرسي ، ليؤكد على الحساسية الشديدة التي يتعامل بها السيسي مع "ملف" شفيق . التقارير التي يتم تسريبها إعلاميا عن جهات مهمة تقول بأن بعض القيادات في مؤسسات كبيرة بالدولة تتعاطف مع عودة شفيق للمشهد السياسي ، وهذا كلام خطير ، ولكنه ليس بعيدا عن الحقيقة مع الأسف ، خاصة مع استمرار التخبط في الإدارة السياسية الحالية ، وعدم وضوح الرؤية ، وتراكم الهموم الاقتصادية والأمنية والاجتماعية ، وغياب اليقين ، وهي رؤية ليست محلية خالصة للأزمة في مصر ، بل هي رؤية إقليمية ودولية ، عنوانها : كيف يمكن الخروج بمصر من مشهد الانقسام الخطير بأقل الخسائر والمخاطر ، وفي الإجابة على هذا التساؤل يكون اسم الفريق شفيق حاضرا دائما ، وهذا هو المزعج .